تصدرت شركة «إيرباص» الأوروبية عناوين الصحف في الأيام القليلة الماضية، عقب إعلانها، أول من أمس، إمكانية أن توقف إنتاج طائراتها «العملاقة» من طراز «ايه - 380» في حال فشلها في إبرام المزيد من الصفقات.
لم تمض ساعات على إعلان الشركة الأوروبية حتى خرجت طهران، أمس، لتحذّر من أن موقف الرئيس الأميركي دونالد ترامب، الرافض للاتفاق النووي، «يُهدد صفقات بمليارات الدولارات» أبرمتها طهران مع «إيرباص». أمر توقّعته الأخيرة، محذرة من أنه في حين أنّ إيران «ستتسلم عشرات الطائرات»، إلا أن استكمال الصفقة «يستغرق وقتاً أطول من المخطط له».
من هنا، وسط الحرج الأوروبي من الموقف الأميركي وحاجة الشركة إلى السوق الإيرانية، تدخّل المال العربي، مرة أخرى، في محاولة لـ«إنقاذ» الطائرات الأوروبية «العملاقة» من «الانقراض» وتخفيف توق أوروبا إلى الحفاظ على الاتفاق النووي.

الإمارات تُنقذ «إيه-380»

هذه المرة، أدت أبو ظبي دور «الحليف» الاقتصادي الأمثل، إذ كشفت مجموعة «طيران الإمارات»، اليوم، عن طلبية بقيمة 16 مليار دولار لشراء 36 طائرة «إيرباص» من طراز «ايه-380 اس»، لتتسلمها بحلول عام 2020.
ووفق بيان المجموعة، فإن الطلبية تشمل «20 طائرة مؤكدة و16 اختيارية»، مشيرة إلى أن الاتفاق الجديد سيرفع عدد طائرات «ايه-380» في أسطولها إلى «178 طائرة بقيمة إجمالية تبلغ نحو 60 مليار دولار». ومن الواضح أن تحذير «إيرباص» العلني من توقف إنتاج طائرة الركاب «الأضخم في العالم» في حال «فشلت في الحصول على المزيد من الطلبيات»، ولا سيما من شركة «طيران الإمارات»، شكّل ورقة ضغط ساهمت في إسراع إبرام صفقة مع أبو ظبي.
ووفق «إيرباص»، فإن الشركة الوحيدة التي لديها القدرة على شراء «6 طائرات بحد أدنى كل عام»، هي «طيران الإمارات»، التي بعدما كانت أهم عميل تجاري لـ«إيرباص» اتجهت أخيراً إلى شركة «بوينغ» الأميركية.

«ايرباص» vs «بوينغ»

لا يخفى على أحد اشتداد المنافسة بين «بوينغ»، وهي شركة أميركية لصناعة الطائرات مقرها مدينة شيكاغو، و«إيرباص»، وهي شركة تابعة لـ EADS الأوروبية للصناعات الجوية ومقرها تولوز الفرنسية، في السنوات الماضية.
منافسة تجلّت في تبجّح الأخيرة، أول من أمس، بتصدرّها في عام 2017 سوق الطائرات العالمية، متقدمة بذلك على «بوينغ» للعام الخامس على التوالي. ووفق نائب رئيس مجلس إدارة EADS فابريس بريجييه، «بلغ عدد الطلبيات التي تلقتها إيرباص 1109، سلمت بالفعل 718 منها خلال العام الماضي»، بينما تلقت «بوينغ 912 طلبية، سلمت بالفعل 763 منها».
من جهتها، شكّكت «بوينغ» بقدرة منافستها الأوروبية على تسليم جميع الطائرات التي باعتها، في تصريح أثار التساؤلات حول سعي الولايات المتحدة جدّياً إلى عرقلة استكمال صفقة «إيرباص» مع طهران.
أما في ما يخص طراز «إيه 380»، الذي بدأت «إيرباص» تصنيعه في أوائل تسعينيات القرن الماضي ليشكل منافسة لطائرة «بوينغ 747»، فقالت الشركة إنها تلقت «317 طلبية» منذ إطلاقها رسمياً عام 2007. وفي حين أن من شأن الصفقة الإماراتية أن «تُنقذ» هذا الطراز، إلا أن «إيرباص» لا تستطيع الاستغناء عن صفقة لبيع 100 طائرة إلى الخطوط الجوية الإيرانية الرسمية، بات مصيرها غير معروف في ظل تعنت رجل البيت الأبيض.

«إيرباص» تحت رحمة واشنطن

منذ وصوله إلى البيت الأبيض، ترجم الرئيس الأميركي شعاره «أميركا أولاً» فعلياً في جميع قراراته، ولا سيما تلك التي تتعلق بالاقتصاد القومي. ومتجاهلاً تداعيات مواقفه على اقتصادات دول «حليفة» في القارة الأوروبية، واصل ترامب وضع عراقيل في مسار العلاقات الأوروبية ــ الإيرانية، مهدداً بتمزيق الاتفاق النووي وفرض مزيد من العقوبات على طهران. ونظراً إلى تخلي واشنطن عن مبدأ المصالح المشتركة واستبداله بسياسة انعزالية «أنانية»، انعكست بوضوح في صفقات التسليح الأميركية ــ الخليجية العام الماضي، اختارت أوروبا الوقوف في وجه مطامع الولايات المتحدة والتمسّك بالاتفاق النووي.
موقف عبّر عنه الاتحاد الأوروبي بوضوح تام، كذلك أبرز عضوين فيه ألمانيا وفرنسا، أكثر من مرّة، ويمكن اختصاره في تأكيد مسؤولة السياسة الخارجية فيه فيديريكا موغيريني، أنه «لا يحق لأي دولة إنهاء الاتفاق النووي الإيراني»، مشددة على أن الاتفاق «غير قابل للتفاوض». الموقف الأوروبي ساهم في ردع الرئيس الأميركي، الذي قام، الأسبوع الماضي، بتمديد التزام بلاده بالاتفاق النووي مع إيران، لكنه في الوقت نفسه هدّد من أنها ستكون «المرة الأخيرة».
مقابل التصعيد الأميركي، حذّر نائب وزير النقل الإيراني أصغر فخرية كاشان، أمس، من أن ترامب يهدد «صفقات بمليارات الدولارات» أبرمتها بلاده مع «إيرباص». وقال كاشان إنه «نظراً إلى موقف السيد ترامب بشأن الانسحاب من الاتفاق النووي، علينا التأكد من أن التراخيص ستبقى صالحة، بغض النظر عن أي قرار تتخذه الولايات المتحدة»، مضيفاً أنه «في ظل ضبابية بعض المسائل، فإن طهران لن تقوم بتسديد أي دفعات مقدماً».
فنظراً إلى أنها تقوم بتصنيع بعض قطع طائراتها في الولايات المتحدة، تحتاج الشركة الأوروبية إلى تراخيص تصدير من واشنطن. تراخيص حصلت عليها «إيرباص» عقب توقيع الاتفاق النووي في 2015، الذي بموجبه رُفعت بعض العقوبات الدولية عن طهران.
حينها، منح مكتب مراقبة الأصول الخارجية التابع لوزارة الخزانة الأميركية تراخيص صالحة حتى كانون الأول 2020، لـ«إيرباص» لبيع 100 طائرة إلى الخطوط الجوية الإيرانية الرسمية «إيران إير» بقيمة 20 مليار دولار. كذلك، أبرمت طهران، التي تقول إنها ستحتاج إلى ما بين 400 و500 طائرة في العقد المقبل، و«بوينغ» عقداً لشراء 80 طائرة بقيمة 16.6 مليار دولار، كي تحل محل الأسطول الإيراني المتقادم.
التشاؤم الإيراني في ما يخص مستقبل الصفقة مع أوروبا عبّر عنه مدير المبيعات في «إيرباص»، جون ليهي، ولكن بدرجة أقل، إذ إنه في حين توقع أن «تتسلم إيران عشرات الطائرات الأوروبية التي طلبتها»، قال إن «عملية التسليم لن تكون وفق الجدول الزمني الأصلي».