الرباط | بعبارات صريحة، هدّدت جبهة «البوليساريو» المتصارعة مع المغرب حول إقليم الصحراء الغربية بالعودة إلى حمل السلاح والحرب ضد المغرب في منطقة «الكركرات» الحدودية بين المغرب وموريتانيا، وهو ما اعتبرته الرباط «استفزازاً غير مقبول وخرقاً واضحاً لاتفاق وقف إطلاق النار عام 1991».
وبدأ فتيل هذا التوتر بعدما راسلت جبهة «البوليساريو» بعثة «المينورسو» (بعثة الأمم المتحدة لتنظيم استفتاء في الصحراء الغربية)، برسالة تخبر فيها أنها «قد تضطر» إلى العودة الى الوضع السابق بـ«الكركرات» وتعيد النظر في قرارها إعادة الانتشار، مشيرة إلى أنها «لن تقف مكتوفة الأيدي أمام الخروقات المغربية وعدم تطبيق التعهدات الأممية على الأرض الخاصة بتسوية الأسباب الناجمة عن أزمة الكركرات الأخيرة»، مطالبة الأمم المتحدة بتطبيق التزاماتها وتعهداتها، والضغط على المغرب لتنفيذ التزاماته.
من جانبه، حذر المغرب على لسان وزير الداخلية، عبد الوافي لفتيت، خلال لقائه رئيس بعثة «المينورسو»، كولين ستيوارت، من استمرار استفزازات ومناورات البوليساريو في المنطقة العازلة (الكركرات)، والتي قال إن «من شأن تداعياتها المساس بالسلم والأمن في المنطقة، وعرقلة مسلسل المفاوضات بخصوص موضوع النزاع المفتعل حول الصحراء بشكل جدي».

تصرّ الرباط على أحقيتها في «الإقليم» وتقترح منحه حكماً ذاتياً موسّعاً

وتأتي هذه التهديدات عقب أسبوع من مناورات عسكرية أجرتها طوال الأسبوع المنصرم على الحدود المتاخمة للجدار الرملي الخاضع للجيش المغربي بإشراف زعيم الجبهة شخصياً، وهي الخطوة التي استنفرت القوات العسكرية المغربية على الحدود. المتحدث الرسمي باسم الحكومة المغربية، مصطفى الخلفي، قال لـ«الأخبار»، إن «المحاولات المتكررة للجبهة الانفصالية (البوليساريو) لاستفزاز المغرب وزعزعة استقرار منطقة الساحل عبر نقطة الكركرات التي يسعى المنتظم الدولي والأفريقي الى استتباب الأمن فيها، شيء معتاد عليه ولا يحرك في دبلوماسية الرباط إزاء الملف ساكناً».
وأشار إلى أنّ «استفزازت البوليساريو على الحدود مع موريتانيا تعكس حالة التخبط والتفكك التي تعيشها، وأن هذه التهديدات لن تغيّر شيئاً على أرض الواقع». وكشف أن المجلس الحكومي ناقش التهديدات العسكرية للجبهة باستفاضة في اجتماعه، موضحا أن «رد الحكومة هو العمل على الأرض في إطار نموذج تنموي في الصحراء، عبر مشاريع كي تتحول إلى قطب اقتصادي جديد بالمملكة».
وعن تداعيات هذه التهديدات العسكرية لطرفي نزاع الصحراء الغربية، يقول أستاذ العلاقات الدولية إدريس الغارني، لـ«الأخبار» إن التهديدات العسكرية المتكررة من قبل جبهة «البوليساريو»، الغاية منها ثلاثة أهداف: الأول هو لفت الانتباه تحو مساعيها بخصوص انتزاع الصحراء واعتباره سبيلاً لاستتباب الأمن في المنطقة.
أما الهدف الثاني، يقول الغارني، فهو الضغط على الأمم المتحدة من أجل القيام بمهماتها المتعلقة بـ«إقامة استفتاء تقرير المصير في الإقليم»، وهو ما ترفضه الرباط، كون مقترح «الحكم الذاتي» هو أقصى ما يمكن تقديمه للمنطقة.
أما الهدف الثالث، المرتبط أساساً، بتهديد المغرب والأمم المتحدة، بـ«احتمالية العودة إلى حمل السلاح والحرب في المنطقة»، وخاصة أن جل المناورات التي سبقت التهديد هي تدريبات حول «كيفية تجاوز واقتحام الجدار الرملي، المرابطة خلفه غرباً قوات الجيش المغربي».
وعلى هامش هذا التوتر، عمدت تقارير صحافية مقربة من دوائر السلطة في المغرب، إلى تسريب معلومات تكشف عن ذخيرة وأسلحة بحوزة المغرب في الصحراء، مشيرة إلى أن «خزينة الدولة في السنوات الأخيرة، صرفت مليارات الدولارات على العتاد الحربي، ليحرز المغرب بذلك تفوقاً عسكرياً على جميع المستويات».
وأوضحت التقارير ذاتها أن المغرب «يحظى بقوة برية ترتكز على دبابات الأبرامز، وأنظمة إطلاق الصواريخ والمدرعات والمدافع، وقوة جوية كبيرة وأخرى بحرية».
من جانب آخر، عمدت صحيفة «المساء» في عدد يوم الاثنين الماضي، إلى نشر تقرير مفصل عن «دبابات وصواريخ متطورة نقلها الجيش قرب منطقة الكركرات».
وبدأ نزاع إقليم الصحراء عام 1975، بعد انتهاء الاحتلال الإسباني له، ليتحول الصراع بين المغرب وجبهة البوليساريو إلى نزاع مسلح استمر حتى توقيع الطرفين اتفاقاً لوقف إطلاق النار عام 1991 برعاية الأمم المتحدة.
وتم تشكيل بعثة الأمم المتحدة إلى الصحراء، المعروفة اختصاراً بـ«المينورسو»، بقرار لمجلس الأمن الدولي في أبريل/ نيسان عام 1991، لتكون مهمتها الأساسية العمل على حفظ السلام.
وتشرف الأمم المتحدة، بمشاركة جزائرية وموريتانية، على مفاوضات بين المغرب وجبهة البوليساريو بحثاً عن حل نهائي للنزاع حول إقليم الصحراء، ويعطل استمرار هذا النزاع تطبيع العلاقات بشكل طبيعي بين المغرب وعدد من الدول الأفريقية، في مقدمها الجزائر.
وتصر الرباط على أحقيتها في «الإقليم»، وتقترح كحل منحه حكماً ذاتياً موسعاً تحت سيادتها، فيما تدعو «البوليساريو» إلى تنظيم استفتاء لتقرير المصير في الإقليم، مدعومة من الجزائر.