على قدر المفاجآت التي حملتها التحالفات الانتخابية، في العراق، جاء الهجوم الانتحاري المزدوج وسط العاصمة بغداد أمس، والذي أدى إلى مقتل 31 شخصاً، وإصابة 94 آخرين، في توقيتٍ حمل دلالاتٍ ورسائل عدّة.
ثمّة من يرى من ساسة البلاد أن الواقع الأمني المعيش مرتبطٌ بحجم «استقرار» العلاقة مع السعودية؛ فـ«تحالف (رئيس الوزراء حيدر) العبادي ــ الحشد الشعبي (لم يصمد لـ24 ساعة متواصلة) كان رسالةً مستفزّةً للرياض، وما تمثّله»، وفق مصدرٍ سياسيّ عراقي. وبمعزلٍ عن صوابية «تحالف نصر العراق»، إلا أن خطوة العبادي أوجبت ردّاً يؤكّد تجاوزه «الخطوط الحمراء» بتعبير المصدر الذي يتهم الرياض بالوقوف وراء التفجير، بوصفها من دعاة تأجيل الانتخابات من جهة، والمنزعجة من «التضخّم» المستمر للنفوذ الإيراني في العراق، والذي وصل حدّ إقناع العبادي بالتحالف مع «الحشد».
ودعا العبادي الأجهزة الأمنية أمس إلى «ملاحقة الخلايا الإرهابية النائمة»، إثر الهجوم المزدوج، الذي نفّذه انتحاريان يرتديان حزامين ناسفين في ساحة الطيران»، وسط العاصمة، حيث تعدّ تلك المنطقة مركزاً تجاريّاً مهماً في العاصمة، ونقطة تجمّعٍ للعمّال المياومين الذي ينتظرون يوميّاً هناك، من الصباح الباكر، للحصول على عمل.

«الحشد»: «تحالف العبادي»
يضمّ عدداً من الشخصيات السياسية المشبوهة

سياساً، وقع «انفجارٌ» آخر، تمثّل في خروج تحالف «الفتح المبين» (أبرز القوى المشكّلة لـ«الحشد الشعبي») من «ائتلاف نصر العراق»، لأسبابٍ عدّة، أبرزها أن «تحالف العبادي» يضمّ عدداً من الشخصيات السياسية «المشبوهة»، الأمر الذي عبّر عنه النائب عن كتلة «منتصرون»، فالح الخزعلي، بقوله إن الانسحاب جاء بعد «انضمام بعض المتورطين بملفات الفساد... ونحن لا نسمح لأنفسنا بأن نكون جزءاً من منظومة الفساد، وتدوير بعض الشخصيات التي أساءت للعراق». وأضاف في تصريحٍ صحافي أن «مبدأ التداول السلمي بنقل السلطة يجب أن نحافظ عليه في الانتخابات الحرّة والنزيهة، وعدم استخدام المال العام والنفوذ الحكومي لشراء الأصوات»، محذّراً من سيناريو تأجيل الانتخابات، التي يجب أن تجري في موعدها المقرر، فـ«الحشد لن يسمح بالقفز على الدستور، ونطالب الشعب باختيار الأصلح».
وتمحورت أسباب الانسحاب حول نقاط محدّدة، إضافةً إلى «شبهات الفساد» وشروط العبادي من جهة، وزحمة التيّارات والقوى المشاركة من جهةٍ أخرى، ما يصعّب «التمثيل الصحيح» للمتحالفين، خاصّةً أن القانون الانتخابي «المرتقب» لن يدعم القوائم الكبيرة، بل تلك المتوسطة.
ووفق مقرّبين منه، فقد رفض العبادي «منهج المحاصصة، والتأكيد على اختيار الشخصيات الكفوءة، ودعم الإجراءات المتخذة بحق الفاسدين»، في حين اعتبر مقرّبون آخرون أن انسحاب «الفتح» من التحالف جاء بعد انضمام رئيس «تيّار الحكمة» عمار الحكيم إليه.
أما القيادي في «الفتح» عامر الفايز، فقد أكّد في تصريحٍ صحافي أن «التحالف انسحب من النصر وسيخوض الانتخابات بشكل منفرد»، موضحاً أن «السبب هو تزاحم الأحزاب داخل تحالف نصر العراق... إلى جانب الاختلاف في الرؤى والمشاريع؛ فتحالف الفتح مشروع بناء دولة، وإصلاحي، وبناء أسسٍ جديدة بعيدة عن المحاصصة».
وبالرغم من تعدّد أعذار «انفراط عقد نصر العراق»، فإن «العقائد المتباينة» بين مكوّناته أولاً، و«التمنيات» الإيرانية في تشكيله ثانياً، وبروز التفاصيل المعقّدة في المفاوضات ثالثاً، شكّلت أسباباً موجبة لفرط التحالف الذي ولد ميتاً من جهة، واعتبر محاولةً إيرانية لـ«حرق» ورقة العبادي في ظل غياب «التفسيرات المنطقية» لهذه الخطوة، والتي استحدثت في الساعات الأخيرة.
واستقرّت تحالفات «البيت الشيعي» على قوائم عدّة، أبرزها «تحالف النصر والإصلاح» (العبادي ــ الحكيم، وعددٍ من القوى الصغيرة المستقلّة) والمتوقّع أن يحصد حوالى 35 نائباً، و«ائتلاف دولة القانون» (برئاسة نائب رئيس الجمهورية نوري المالكي) والمرجّح أن يفوز بـ35 إلى 45 نائباً، و«تحالف الفتح المبين» («الحشد الشعبي») الذي تقول مصادره إن حصّته ستكون 30 نائباً تقريباً. أما زعيم «التيّار الصدري» مقتدى الصدر، فسيخوض حزبه «الاستقامة» بقائمةٍ منفردة إلى جانب عددٍ من القوى المستقلّة والتكنوقراط، وسرت شائعات عن إمكانية تحالفه مع العبادي، بعد انسحاب «الفتح»، لكن مصادر نفت وجود أي اتصالٍ بين الطرفين.
اللافت هنا أن الخطاب الداعي إلى كفّ يد الساسة عن «المفوضية العليا المستقلة للانتخابات» لم يلقَ أيّ آذانٍ صاغية؛ فتسجيل التحالفات الانتخابية قد انتهى الخميس الماضي، ومدّد ليومين إضافيين لإجراء أي «تعديلٍ تقني»، غير أن الكتل السياسية استمرت حتى مساء أمس في إجراء تحالفاتها والانسحاب من آخر، بحسب ما يتوافق مع مصالحها، غير مباليةٍ بقرار «دائرة الانتخابات» المعنية بذلك.
(الأخبار)