لم يشفع للرئيس الفلسطيني محمود عباس، تمسّكه بخيار المفاوضات العقيمة تحت سقف «أوسلو»، ولا رفضه لمقاومة الاحتلال، بل انهالت عليه الانتقادات والتهجمات الإسرائيلية من أعلى المستويات الرسمية بعد الكلمة التي القاها أول من أمس، والسبب أنه لم يتناغم حتى الآن مع السقف الجديد للتسوية الذي تحاول تل أبيب وواشنطن فرضه على الشعب الفلسطيني وقياداته السياسية عبر التسويق لـ«صفقة القرن»، ودفعه إلى التسليم بالقدس عاصمة للكيان الإسرائيلي، وبالتوسع الاستيطاني في الضفة، ولتجاهل رفع قضية اللاجئين...
وهو ما يعني أيضاً، أنه من دون تقديم المزيد من التنازلات لن يكون هناك تسوية نهائية، والبديل استمرار الزحف الاستيطاني المدعوم بالشرعنة الأميركية والتجاهل الدولي.
مع ذلك، لم يفوّت القادة الإسرائيليون فرصة الاحتفال والتباهي باكتشاف نفق غزة وتدميره، وصولاً إلى اعتباره من قبل بعض المعلقين على أنه مؤشر إضافي على فعالية قوة الردع الإسرائيلية، لكن البعض الآخر حذّر من حشر فصائل المقاومة الفلسطينية التي قد تجد نفسها مضطرة إلى الرد بما يتناسب.
اختار رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو توظيف خطاب أبو مازن في سياق دعم شعاراته وشروطه التي يضعها لأي تسوية نهائية مفترضة. ورأى أن ما أدلى به الرئيس الفلسطيني «يكشف جذور الصراع وما نحن نقوله طوال الوقت». ولفت إلى أن الكلام الذي صرح به، يقدم أيضاً «خدمة للدبلوماسية الإسرائيلية». وتابع بالقول إنه «إذا لم تتغيّر مواقفه، فلن يحصل سلام». وهو ما يعني إسرائيلياً، أنه إذا لم يقدم الرئيس الفلسطيني المزيد من التنازلات والقبول بالسقف الجديد للتسوية، فإنه لن يحصل هناك أي اتفاق نهائي.
وعن خلفية انتقاده الرئيس أبو مازن لمبادرة الرئيس الاميركي دونالد ترامب، رأى نتنياهو أنه يعود إلى «المخاوف الفلسطينية من المبادرة السياسية الأميركية» مشيراً إلى أنه «يحاول إخراج الأميركيين من دور الوسيط أو المساعد، ومحاولة استبدالهم بجهات أخرى» لكنه أكد أنه «لا يوجد هناك أحد آخر، هذه المحاولة لن تنجح».
ووصف وزير الأمن الإسرائيلي أفيغدور ليبرمان، خلال حديثه مع إذاعة الجيش الإسرائيلي، كلمة أبو مازن، بأنه «خطاب خراب وهو يدل على تشتّت في التفكير». ولفت إلى أنه يعكس «خسارة دعم العالم العربي المعتدل وبالطبع التخلي عن المفاوضات». ورأى ليبرمان أن أبو مازن قرر السير في مواجهة المستوى السياسي مع إسرائيل والولايات المتحدة أيضاً. وفي موقف ينطوي على تجاهل مقصود للزحف الاستيطاني في الضفة، والاعتقالات المتواصلة في صفوف الشعب الفلسطيني، رأى أن «الوضع في الضفة أفضل بكثير، لأن الشعب الفلسطيني كله يرى ما يحصل في القطاع وما يحصل في الضفة، لذلك فإنه بين الخيارين هو يفضل الخيار القائم اليوم في الضفة». ورأى أنه «حتى لو نزل أبو مازن عن المنصة، أعتقد أنه ستوجد تسوية تسمح بحياة جيدة قدر الإمكان».
في السياق نفسه، رأى وزير الاستخبارات يسرائيل كاتس، أن أبو مازن «أعلن الحرب على الولايات المتحدة وإسرائيل»، متوعداً إياه بأنه «سيخسر فيها كما خسر الفلسطينيون والزعماء العرب في كل الحروب». ورأى أن سبب تشدد الرئيس الفلسطيني في مواقفه من صيغة التسوية النهائية التي يعد لها الرئيس الأميركي يعود إلى كونه يرى نفسه «زعيماً فلسطينياً تاريخياً غير مستعد للمساومة على القدس، التنازل عن اللاجئين أو الاعتراف بحق اليهود بدولة على أرض ما في إسرائيل». ولفت كاتس إلى أنه في ضوء هذه المواقف «على إسرائيل القيام بخطوات أحادية الجانب مع دول في المنطقة، وفي مقابل الفلسطينيين أيضاً، من أجل تحسين الوضع من دون انتظار أبو مازن، لأنه لن نحصل على أي شيء من هذا الرجل». بدوره لم يفوت زعيم البيت اليهودي اليميني المتطرف، نفتالي بينت، فرصة تبني المشهد السياسي الإسرائيلي لمواقفه وخياراته السياسية إزاء المسار الفلسطيني، من أجل التصويب على أبو مازن، معتبراً أنه «سيختفي قريباً من العالم وكذلك أيضاً فكرة الدولة الفلسطينية». وشدد على أن «عهد الدولة الفلسطينية انتهى، وبدأ عهد السيادة الإسرائيلية»، لافتاً الى أنه «يتكون إجماع وطني بخصوص هذه الخطوة». وتطرق الرئيس الإسرائيلي رؤوبين ريفلين، إلى ما ورد في خطاب الرئيس الفلسطيني، بالقول إن مفاد كلامه بأن «إسرائيل هي نتيجة مؤامرة حاكها العالم الغربي لتوطين اليهود في مناطق تابعة للعرب. وقال إنه لا علاقة للشعب اليهودي بأرض إسرائيل... وكرر ما قاله منذ سنوات وتعرض بسببه للاتهام باللاسامية وبإنكار المحرقة».
في موازاة ذلك، لم يفوّت المسؤولون الإسرائيليون أيضاً الفرصة للتباهي بتدمير نفق غزة، ورأى نتنياهو أن إسرائيل تعمل «وفق مصالحنا الأمنية» وحمّل حركة حماس المسؤولية عن أي هجوم ينطلق من القطاع. في المقابل، توعد ليبرمان بأنه حتى نهاية عام 2018، سنقضي على كل نفق هجومي بحوزة حماس، وأكد أن إسرائيل ستواصل بالوتيرة نفسها استكمال بناء العائق. وتابع بالقول: «نحن نعمل مقابل حماس في القطاع باستراتيجية واضحة، والأمر الأول الذي علينا جميعاً تذكره هو موضوع الأسرى والمفقودين. من دون تسوية في موضوع الأسرى والمفقودين، لا نستطيع التقدم إزاء غزة إلى أي مكان». وتعمد ليبرمان إعادة إثارة الخلافات بين السلطة وحركة حماس بالقول إن «أبو مازن هو من قطع الكهرباء عن غزة، وهو قرر إعادتها، وعندها عادت، نحن لا نتدخل ولسنا طرفاً». ومع أن ليبرمان أقرّ بأن الوضع في غزة صعب، لكنه رفض مقولة أنه «على عتبة الانهيار».
وفي أجواء استهداف النفق، رأى معلق الشؤون الأمنية في صحيفة «معاريف»، يوسي ميلمان، أن «التقدير الاستخباري في إسرائيل، بأن حركة حماس ليست معنية بحرب على المدى القريب، ما زال قائماً، لكن الخشية تكمن في أن دفع حماس إلى الزاوية قد تؤدي بها في نهاية المطاف إلى عملية ردّ». من جهته، لفت معلق الشؤون السياسية في صحيفة «إسرائيل اليوم»، يوآف ليمور، إلى أن «إسرائيل تعمدت تسليط الاضواء على أن النفق الذي اكتُشف ودُمِّر، يتصل بثلاثة أطراف: إسرائيل ومصر وسكان قطاع غزة».