على أبواب انعقاد «المجلس المركزي» المنبثق من «المجلس الوطني» الفلسطيني، المفترض أنه هيئة عليا فوق «منظمة التحرير»، لا تزال حركة «فتح» هي «سيّدة المشهد» السياسي، في ظل أن أياً من هذه المؤسسات لا تحوي حركتي «حماس» و«الجهاد الإسلامي»، وفي ظل استلاب «فتح» لقرار التنظيمات الأخرى، خاصة اليسارية، التي تتعرض للابتزاز دوماً بشأن مواقفها.
ما الجديد ليقوله هذا الاجتماع السريع عن القدس، في ظل قضايا وطنية كبيرة لم تُحسَم، على رأسها المصالحة، أو الموقف من السلطة وبرنامجها، خاصة لدى فصائل «المنظمة»، ومنها «الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين» (ثاني أكبر فصائل المنظمة ومرجعية أحد الأذرع العسكرية النشطة في غزة)، التي تختلف مع طروحات رام الله، خصوصاً أن الاجتماع يوم الأحد يأتي في ذكرى اختطاف مخابرات السلطة أمين «الشعبية» العام أحمد سعدات، ورفاقه الأربعة منفذي عملية اغتيال وزير السياحة الإسرائيلي رحبعام زئيفي، ما سهّل لقوات الاحتلال بدورها اعتقالهم من سجن أريحا؟ جملة من أسئلة ملحّة واجهنا بها عضو «اللجنة المركزية للجبهة الشعبية» خالد بركات




■ بات السؤال عن الممثل الشرعي للشعب الفلسطيني معقداً، إن كان الحديث من جهة التأييد الشعبي والحق بالمقاومة أو معايير المجتمع الدولي، كيف ترون الأمر؟
هذا سؤال مشروع جداً وصعب جداً في الوقت نفسه. مجرد طرحه اليوم له دلالات كبيرة وخطيرة تعكس الحالة الفلسطينية المأزومة التي وصلت محطتها الأخيرة وعنق الزجاجة كما يقال. «منظمة التحرير» وفق وضعها الرّاهن لا تمثل إلا قيادتها، والسبب الجوهري يعود إلى الواقع المزري والسقوط المدوي لشرعية القيادة المتنفذة في المنظمة وسقوط برنامجها السياسي المهزوم، وليس سقوط شرعية المنظمة بالمعنى القانوني أو ككيان سياسي ممثل رسمي لشعبنا حظي باعتراف وطني وعربي ودولي بفعل نضالات الفلسطينيين وتضحياتهم أولاً وأخيراً.
هناك تشكيل عصابي مافيوي يسيطر على القرار السياسي والأمني والمالي الفلسطيني. هذا التشكيل فقد شرعيته تماماً، وهي حقيقة يجب التصدي لها.
اعتبار المنظمة مرجعية للفصائل التي تشارك فيها أمر مشروع ربما، ولكنها ليست مرجعية للشعب الفلسطيني، فالعكس هو الصحيح، الشعب هو صاحب الولاية والأرض والقضية والحقوق، وهو مرجعية لكل المرجعيات وليس محمود عباس وفريقه. لذلك، إن توقيع اتفاق أوسلو كان نتيجة لسقوط قيادة المنظمة وبرنامجها، بل لقد انتهت كل مؤسساتها تقريباً على حساب مشروع آخر هو «السلطة الفلسطينية» التي باتت جهة تغتصب القرار وليست أداة وطنية أو خدمية، لأنها تغولت على المنظمة وبلعتها، وهي من يقرر السياسة الأمنية والخارجية، لا المنظمة.
من المهم أن نفرق باستمرار بين شرعية حركة تحرر وطنية، وشرعيات الدول المستقلة أو الكيانات السياسية لما يسمى الدولة الوطنية ــ القومية، ما يمنح الشرعية للأولى هو فعل المقاومة وليس الدساتير أو البرلمانات. والحالة الفلسطينية في المنطقة والإقليم ليست استثناءً، بل هي النموذج الأسوأ. إذن، ما يحتاجه شعبنا اليوم هو إعادة تأسيس المنظمة التي شاخت وهرمت، وتشكيلها مرة أخرى وفق رؤية وطنية جديدة.

■ بعد أن تراجعت المنظمة وهيئتها التشريعية الأولى (المجلس الوطني) عن الثوابت الفلسطينية وغيرت بنود «الميثاق القومي الفلسطيني» ــ في جلسة المجلس عام 1996 ــ لماذا تشارك «الشعبية» في أعمال هذه الهيئة؟
هذه المؤسسات صارت أكثر فساداً وأكثر خضوعاً للشروط الإسرائيلية والأميركية والسعودية، وهي أقرب إلى مزرعة خاصة للرئيس وشركائه، ولو سألتم أعضاء «الجبهة الشعبية» وكوادرها وأنصارها، فالأغلبية الساحقة منهم تحمل الموقف الشعبي الذي يرى أن واقع المنظمة وصل إلى القاع، وأنه لم يعد من الممكن إجراء عملية إصلاح ضمن السقف أو الهيكل الموجود اليوم.

هذه السلطة هي لحماية الرأسمالية الفلسطينية التابعة للاحتلال واقتصاده


لقد رفضا عام 1996 ما فعله ياسر عرفات لإرضاء بيل كلينتون، بشطبه مواد أساسية من الميثاق الوطني، كما رفضنا المشاركة في الانتخابات. أما لماذا تشارك الجبهة في «المركزي»، فإن هذا نابع من حرصها على وقف حالة التدهور الجارية والدعوة إلى مراجعة سياسية شاملة للمرحلة السابقة ومحاسبة عباس وفريقه ومساءلتهم حول ما وصلت إليه أوضاع المنظمة.

■ لماذا انعقاد المجلس المركزي الآن... وكل هذا التأخر؟
كلما واجهت قيادة المنظمة أزمة خاصة تهددها، تستحضر أرواح الموتى وهياكل الهزيمة في المؤسسة الفلسطينية، ثم تغيّبها مرة أخرى وتتركها لسنوات! إن قيادة المنظمة تعمل على استحضار «المركزي» كما فعلت مع «الوطني» أكثر من مرة، أو تعقد اجتماعات وهمية وشكلية لـ«اللجنة التنفيذية للمنظمة» ولا تنفذ منها أي شيء. هذه المؤسسات أصبحت «كادوك»، أي تقادمت، ويعرف شعبنا أنها خاوية ولا جدوى من اجتماعاتها.
قيادة المنظمة والسلطة تسعى على حد سواء إلى حل أزمتيهما اليوم على حساب الأزمة الوطنية العامة للشعب. بمعنى أكثر دقة: تسعى طبقة المال (الكومبرادور) والمحاسيب والواسطة، التي ارتبطت مصالحها مع الاحتلال، إلى الخروج من المأزق الحالي على حساب الطبقات الشعبية المفقرة وحقوقها التي تعيش الحصار. لقد وصلت الأوضاع في قطاع غزة ومخيمات لبنان وسوريا إلى حالة مستدامة من الحصار والموت والتهميش، ولم ترَ قيادة المنظمة أي ضرورة للتحرك الجاد وطنياً وعربياً ودولياً لإنقاذها، لكن إذا شعر أبو مازن بأن موقعه الشخصي أو مصالح طبقة أوسلو مهددة، فإنه يسارع إلى عقد مثل هذه الاجتماعات. إنها سلطة الرأسمالية الفلسطينية التابعة للاحتلال واقتصاده ومؤسساته الأمنية.
يُعقد «المجلس المركزي» في هذا السياق، ومن أجل القول إن عباس لا يزال يسيطر على مؤسسات المنظمة والسلطة وإنه صاحب الولاية على القرار الفلسطيني. علينا أن نتذكر أن «المجلس المركزي» هو الذي أنشأ السلطة بقرار صدر عنه عام 1994، وهو يتحمل مسؤولية تاريخية عن هذه الكارثة. نحن في «الجبهة الشعبية» رفضنا قرار هذا المجلس آنذاك، وما زلنا نرفضه حتى اليوم. هذا هو موقفنا إلى أن تسقط السلطة.

■ إذن، لم لا تقاطعون دورة المجلس؟
من حق أي قوى سياسية فلسطينية أن تقاطع اجتماعات «المجلس المركزي» أو أي هيئة فلسطينية أخرى، وألا تشارك فيها. قرار المقاطعة له مبرراته المنطقية والوطنية والمفهومة، لكن الأصل في ذلك أن يكون لمصلحة شعبنا وحماية حقوقه الوطنية، كذلك إن أي مشاركة في هذه الاجتماعات إذا لم تكن من أجل مصلحة شعبنا وتنفيذ قرارات سياسية حاسمة فإنها ستكون ديكورية لا وزن لها.

■ في ظل معرفة مسبقة بنتائج هذا الاجتماع الذي يأتي متأخراً ويعقد على عجل في يومين، كيف ستقيّم قيادة «الجبهة» مشاركتها إذا كان الاجتماع بروتوكولياً كما تقول؟ هل من المقبول طرح قضايا من باب أخطأنا وأصبنا في مرحلة حساسة يُستهدف فيها سلاح المقاومة، خصوصاً أن الجبهة من الفصائل الناشطة عسكرياً؟
الجبهة متهمة كغيرها بأنها تغطي سياسات فريق أوسلو، لذلك يجب ألّا تصبر على مواقف ونهج الفساد والإقصاء. الجبهة إذا شاركت ستقول كلمتها بوضوح، وجوهرها أن المنظمة ليست مزرعة لـ«أبو مازن» وطبقة المال، ويجب وقف كل هذا المسار التفريطي والعبثي. بالطبع، من حق شعبنا ومن واجب طليعته الوطنية تصويب سياسات الفصائل ونقدها، ولا بد لكل القوى أن تسمع صوت الشارع وصرخات الناس المحاصرة في جباليا والبقعة وأم الفحم وعين الحلوة واليرموك وغيرها. لذلك، ندعو باستمرار إلى رقابة شعبية على مواقف الأحزاب وعمل كل مؤسساتنا، وهذا يستدعي بصراحة مشاركة شعبية واسعة في الوطن والشتات ورفع الصوت عالياً ضد نهج التفريط والاستسلام.

■ في ظل ذلك، لماذا أنتم موجودون في المنظمة وجزء من قيادتها؟ أما آن الأوان لانسحابكم منها، وهو سؤال طرح عليكم أكثر من مرة... ولا سيما أنه لا تقاطع بين موقفكم وموقف السلطة في مسألة القدس وحدود دولة فلسطين؟
«الشعبية» سبق أن انسحبت أكثر من مرة من مؤسسات «منظمة التحرير»، في موقف سياسي واعتراضي، وهي تناقش أزمة المنظمة واختطافها على يد عباس وفريقه. هذا الموضوع مدرج باستمرار على جدول أعمالها، وهو يعني كل الشعب وليس فصيلاً بعينه. هناك من يدعو الجبهة إلى التمسك بـ«المنظمة» لتكون صوتاً يصوّب السياسات الفلسطينية الرسمية من الداخل، وهناك من يدعوها إلى الانسحاب، لكن الأكيد أن لا أحد في الجبهة عنده أوهام حول واقع هذه المؤسسة وأين وصلت، أو يناقش حقيقة أنها عملياً مؤسسة مختطفة بالكامل ويحكمها مجموعة مارقة تمردت على إرادة شعبنا ويجب محاسبتها.
المنظمة في نهاية المطاف هي ملك للشعب الفلسطيني، ومصادرتها على يد فئة ما لن تغير هذه الحقيقة. هذا هو موقفنا المعلن، وهذا ما سنقوله وسنؤكده في اجتماع «المركزي»... إذا شاركنا.