«يجب أن أكرر بكل أسف أن من الواضح أن توجيه الانتقادات للسعودية في هذا البرلمان ليست مفيدة... علينا أن نبذل كل ما في وسعنا لتشجيع الرياض على شراء الأسلحة». لعل هذه الجملة التي استخدمها وزير الدفاع البريطاني السابق مايكل فالون، لحثّ نواب برلمان بلاده على الكف عن انتقاد العدوان السعودي على اليمن بهدف ضمان إتمام صفقات الأسلحة بين البلدين، تختصر المشهد السياسي والإنساني الحالي وتعكس الواقع الفعلي لما يُعرف بـ«القيم الأوروبية».
عن قصد أو غير قصد، نجح فالون، وعدد من السياسيين الغربيين، على رأسهم «المغرّد الأول» الرئيس الأميركي دونالد ترامب، في شرح «المبادئ» التي تحكم العلاقات الدولية في ظل «النظام الدولي المعاصر»، كاشفاً زيف ادعاءات دول «العالم الأول» أو «المتحضّر» تجاه شعوب العالم عامةً والمنطقة خاصةً.
وكان 2017 عام التسلّح بامتياز، أصبحت فيه «لغة التسليح واحدة من أهم اللغات العالمية انتشاراً»، وفق «معهد ستوكهولم لبحوث السلام الدولي»، الذي حذّر من تصاعد مقلق لصفقات السلاح التي وجدت في «الوطن العربي» سوقاً مثمرةً، يرتفع حجم الإنفاق فيها مع ارتفاع أرواح أبناء شعبه.

أزمة الخليج ضخّت مزيداً من المال العربي في الاقتصاد الأميركي


من المؤكد أن مصطلح «العالم العربي» سقط، جغرافياً مع إغلاق المعابر وإقامة الحواجز على حدود رُسمت بقلم الاستعمار والاحتلال، وسياسياً مع انهيار «الأمن القومي العربي»، إحدى ركائز «الوحدة العربية»، بعدما جرّدت أنظمة الخليج، المتقاتلة بدورها، بلاد الشام من «عروبتها» و«توحّدت» على البلد العربي الأشد فقراً، اليمن. إلا أن صفقات التسلح بأرقام خيالية أعادت إحياء هذا «العالم» بعدما أصبحت القاسم المشترك بين أبرز الدول فيه.
وفي حين ليس واضحاً بعد القيمة الإجمالية لعشرات صفقات التسلّح التي أبرمتها الدول العربية العام الماضي، أبرمت 6 دول، 5 منها في «التحالف» (السعودية، الإمارات، مصر، الكويت والبحرين) وواحدة «عضو سابق» فيه (قطر)، أكبر صفقات السلاح في العالم لعام 2017.
زيارة «رجل الأعمال»
في زيارته الأولى إلى «الشرق الأوسط»، لم يُبرم الرئيس الأميركي دونالد ترامب، أكبر صفقة أسلحة في التاريخ فحسب، بل «أشعل» فتنة خليجية ــ خليجية فتحت الباب أمام 10 صفقات تسليح بلغت قيمتها مليارات الدولارات.
وكان لواشنطن، البلد الذي يبيع ثلث السلاح في العالم، نصيب الأسد (130.8 مليار دولار) من هذه المبيعات، التي حقّق «رجل الصفقات» من خلالها وعداً انتخابياً بإنعاش اقتصاد بلاده.
وتجلّى ذلك بوضوح في تقرير نشرته وزارة الدفاع الأميركية، الأسبوع الماضي، كشفت فيه أن قيمة مبيعاتها من السلاح خلال 2017 تخطت الـ 1.1 تريليون دولار، بينها 462 مليار دولار جاءت من دول «الشرق الأوسط».
أما «الرابح» الثاني من الصفقات العشر، فكان روسيا (8.5 مليارات دولار)، التي عادت إلى المنطقة بصفقات تسليح ضخمة، وذلك عقب نجاحها في «الترويج» لأسلحتها في سوريا وفرض نفسها كلاعب أساسي في السياسة الدولية. أما المركزان الثالث والرابع، فكانا من نصيب بريطانيا بـ 8 مليارات دولار وإيطاليا بـ 5.9 مليارات دولار.

بطل الصفقات

في أيار عام 2017، أبرم ولي العهد السعودي و«المصلح ومحارب الفساد» محمد بن سلمان، صفقة عسكرية وصفت بـ«التاريخية» مع الولايات المتحدة، بلغت قيمتها 110 مليارات دولار.
وتُعتبر الصفقة واحدة من بين عشرات الصفقات التي أبرمتها المملكة، على الرغم من الضائقة المالية التي تعصف بها وبسائر الدول النفطية، في وقت تتواصل فيه حرب الاستنزاف المكلفة في اليمن.
زاعماً أن السلاح يهدف إلى «دعم أمن السعودية ومنطقة الخليج على المدى الطويل في مواجهة التهديدات الإيرانية... ودعم جهود المملكة في مكافحة الإرهاب»، افتتح ابن سلمان سباق التسلّح العربي، مستكملاً بذلك سياسة تبنّتها الرياض منذ 2012.
فوفق «المعهد الدولي لأبحاث السلام»، سجّلت السعودية بين 2012 و2016 ارتفاعاً قياسياً في وارداتها من السلاح بلغ 212 في المئة، مقارنة مع الفترة الممتدة ما بين 2007 و2011، لتصبح المملكة اليوم ثاني أكبر مستورد للأسلحة في العالم بعد الهند، ومن بعدها الإمارات في المركز الثالث.
وفي حين احتلت السعودية المركز الرابع عالمياً في حجم الإنفاق العسكري في 2016، من المتوقع أن تحتل مركزاً أعلى في 2017 نظراً إلى أن القيمة الإجمالية لعقود 2016 بلغت 63.7 مليار دولار، أي نصف قيمة صفقة الـ«110 مليارات» وحدها. والصفقة «التاريخية» هي من ضمن حزمة صفقات بلغت قيمتها 400 مليار دولار أبرمتها الرياض مع واشنطن، مصدر 52 في المئة من الأسلحة التي تستوردها المملكة.
="" title="" class="imagecache-465img" />
(تصميم سنان عيسى) | للاطلاع على الإنفوغراف كاملاً انقر هنا

واستغل الرئيس الأميركي الفتنة التي أشعلها في الخليج العربي لضخ اقتصاد بلاده بالمزيد من المال العربي، موقعاً حزمة صفقات مع قطر بعد أقل من شهر من «إنذار شديد اللهجة» وجّهه إلى الأخيرة.
«قطر قامت بتمويل الإرهاب على مستوى عالٍ جدّاً»، بهذه العبارة وصف ترامب قطر قبل أن يبيعها مقاتلات «إف-15» بقيمة 12 مليار دولار.
وبعد شراء الصمت الأميركي، اتبعت قطر السياسة نفسها مع بريطانيا، التي اشترت منها 24 طائرة حربية مُقاتلة من طراز «تايفون» بـ 8 مليارات دولار. فبعدما أخفق مايكل فالون في إتمام الصفقة السعودية، نجح وزير الدفاع البريطاني الجديد غافين وليامسون في عقد الصفقة الثالثة الأغلى للعام، التي قال إنها «ستضمن استقرار وأمن الدولة الخليجية، وستؤمن آلاف الوظائف للبريطانيين».
وتتهم الصحف السعودية والإماراتية قطر باستخدام هذه الصفقات كـ«رشوة سياسية» تستقطب من خلالها الدعم الغربي الذي تحتاج إليه في نزاعها مع الدول العربية التي قطعت علاقاتها الدبلوماسية مع الدولة الصغيرة وفرضت عليها حصاراً مكلفاً.
ولعل ما عزز هذه النظرية قيام قطر بـ«تعزيز» تعاونها العسكري مع عدد من الدول الأوروبية، بما في ذلك إيطاليا التي اشترت منها سبع قطع بحرية بقيمة 5.9 مليارات دولار.
وجاءت رابع أغلى صفقة بعد اندلاع الأزمة الخليجية، التي بالإضافة إلى الرياض وقطر، دفعت أيضاً الإمارات إلى دخول سباق التسلّح وإبرام عدد كبير من الصفقات بلغت قيمتها 5.2 مليارات دولار.
وفي ختام معرض الدفاع الدولي «أيدكس 2017» الذي تنظمه أبو ظبي كل عامين، أعلنت الأخيرة أنها وقّعت 90 صفقة بلغت قيمتها الإجمالية ما يوازي 5.2 مليارات دولار، تضمنت صفقات أميركية وروسية بأكثر من 1.46 مليار دولار.
وتعتبر الإمارات ثاني أكبر شريك في تحالف العدوان، الذي يضم أيضاً مصر والكويت، التي كان لها نصيب كبير من صفقات السلاح الأميركية في 2017.
وفي 7 أيلول، أعلن ترامب أنه أبرم مع الكويت صفقة بيع طائرات حربية تبلغ قيمتها 5 مليارات دولار، احتلت إلى جانب صفقة مصرية ــ روسية المركز السادس على قائمة الصفقات الأغلى.
وفي حين توجه الخليج إلى واشنطن، أبرمت مصر «صفقة تاريخية، لم تحدث منذ انهيار الاتحاد السوفياتي» مع روسيا في 8 تشرين الثاني الماضي، بلغت قيمتها 5 مليارات دولار وتضمنت شراء 50 مقاتلة من طراز «ميغ 29».
ولعل الصفقة التي أثارت موجة كبيرة من الانتقادات كانت تلك التي أبرمتها واشنطن مع البحرين بعد أربعة أشهر من اندلاع الأزمة الخليجية. ففي 17 تشرين الأول، أعلنت المنامة عن «الصفقة الأكبر في تاريخ سلاح الجو الملكي البحريني» تمثلت في شراء 16 طائرة من طراز «إف 16» بقيمة بلغت 3.8 مليارات دولار.
واحتلت الصفقة البحرينية المركز الثامن بعدما «تقدمت» بفارق صغير عن صفقة سعودية ــ روسية بقيمة 3.5 مليارات دولار في مجال التعاون العسكري التقني تأتي في إطار خطة ابن سلمان الطموحة لتصنيع السلاح بدل استيراده.
أما الصفقة العاشرة فكانت فرنسية ــ قطرية، كُشف النقاب عنها في الشهر الأخير من «عام التسلّح». وبعد أيام قليلة فقط من صفقة الـ«24 تايفون» بين بريطانيا والدوحة، قامت الأخيرة بإبرام صفقة سلاح بحوالى 3 مليارات دولار مع فرنسا، تضمنت شراء 12 طائرة و490 آلية مدرعة.

النرويج «خارج مسرّب»

تؤكد صفقات التسليح، ولا سيما مع الدول الأعضاء في «التحالف العربي»، أن المصالح الاقتصادية هي المحرّك الرئيسي لـ«تجارة الموت» و«المبدأ» الذي تستند إليه البلاد المصنعة في صفقاتها.
وتحوّل «العالم العربي» بين 2012 و2016 إلى أكبر سوق للسلاح، إذ احتلت السعودية والإمارات المراكز الأولى بين مستوردي الأسلحة لدى أكبر الدول المصدرة للسلاح، بما فيها الدول الأوروبية.
واقع دفع المنظمات إلى رفع الصوت عالياً ضد تصدير الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي السلاح إلى دول تحالف العدوان على اليمن، البلد الذي بات اليوم على حافة «المجاعة الأكبر التي شهدها العالم منذ عقود طويلة».
وعلى الرغم من انتشار التقارير الحقوقية التي تؤكد استخدام الأسلحة الغربية في المجازر التي ارتكبت بحق الشعب اليمني (35,000 يمني بين شهيد وجريح)، لم توقف أوروبا تصدير السلاح إلى «التحالف» في 2017.
إلا أن الأسابيع القليلة الماضية شهدت تطورات قد يعتبرها المتفائل ثمرة شهور طويلة من الضغط الجدّي من قبل المنظمات والأفراد على حكومات القارة العجوز.
في كانون الأول الماضي، صوّت البرلمان الأوروبي مع قرار يوصي بحظر بيع الأسلحة للسعودية، وذلك بعد 3 أشهر من تبنّي البرلمان قراراً مماثلاً. وفي حين لم تلتزم فرنسا وإسبانيا وإيطاليا وغيرها بالقرار، ولم تكترث بريطانيا، عقب خروجها من الاتحاد الأوروبي، بأي من هذه التوصيات، ذهبت النرويج إلى أبعد من ذلك، معلنة الأربعاء تعليق صادرات الأسلحة والذخيرة للإمارات لا فقط السعودية.
وفي أول موقف أوروبي ضد دور أبو ظبي في العدوان الذي دخل عامه الثالث على اليمن، قالت وزارة الخارجية النرويجية إنه «بناء على مطالب برلمانية، وعقب تقييم الأوضاع في اليمن في 19 كانون الأول الماضي والمخاطر المتزايدة من المشاركة العسكرية الإماراتية هناك... لن يكون هناك تصدير للذخائر والأسلحة للإمارات، ولا يسمح بالأصل بتصديرها إلى السعودية».
وتأتي الخطوة النرويجية بعد أيام من إعلان «الحملة الدولية لمقاطعة الإمارات» عن نجاحها في جمع أكثر من 200 ألف توقيع على عريضة تطالب بإنهاء العدوان فوراً.