الرباط | أثار مقترح قانون تقدم به أكبر الأحزاب المعارضة في المغرب، وهو حزب «الأصالة والمعاصرة»، جدلاً واسعاً في الأوساط السياسية والحقوقية، ولا سيما الهيئات المدافعة عن الأقليات الدينية في المملكة، وذلك إثر زيارة رئيس المكتب السياسي السابق لحركة «حماس»، خالد مشعل، ووفد من الحركة، للرباط نهاية الأسبوع الماضي. الأمين العام لـ«الأصالة والمعاصرة»، إلياس العماري، أعلن فجأة عقب لقائه مشعل، أن حزبه «سيتقدم في البرلمان بمسوّدة قانون يُسقط الجنسية المغربية عن مغاربة إسرائيل»، وهو ما رحّب به مشعل في معرض تصريحاته للصحافة عقب لقاء الاثنين.
ما زاد حدة السجال في الأوساط السياسية حول القانون هو خروج رئيس كتلة «الأصالة والمعاصرة» في مجلس النواب (الغرفة الأولى في البرلمان)، محمد أشرورو، لتأكيد أن حزبه سيبدأ إجراءات تقديم مقترح القانون المذكور إلى لجنة الخارجية في المجلس من أجل مناقشته. وأوضح أشرورو، في حديث إلى «الأخبار»، أن فكرة المقترح «جاءت خلال الاجتماع الذي جمع الأمين العام للحزب، إلياس العماري ومشعل». كذلك، كشف رئيس برلمانيي الحزب عن عزمه على تقديم مسودة القانون إلى اللجنة مستهل الأسبوع المقبل، وذلك رغم ضغط هيئات حقوقية للعدول عن ذلك.
في الوقت نفسه، تدفع مجوعة أخرى إلى سنّ القانون، وذلك بمبرر «فصل الجنسية المغربية عن الكيان الصهيوني». ومن هؤلاء رئيس «مجموعة العمل الوطنية من أجل القدس»، خالد السفياني، الذي قال لـ«الأخبار»، إن هذا القانون سيكون من أجل «تأكيد فصل كل ما هو مغربي عن إجرام الصهاينة، وليس من أجل سحب الجنسية المغربية من مغاربة اختاروا الإقامة في بلد غير بلدهم الأم». وعن الصعوبات التي قد تواجه القانون، أفاد السفياني بأنها تكمن في «تحديد المستوطنين الذين يحملون الجنسية المغربية، كما من الوارد جداً أن يكون اليهود المغاربة الذين يسكنون المستوطنات قد تخلّوا عن جنسيتهم الأصلية». ورأى أن المناهضين للتطبيع سيقفون مع هذا المقترح «لأنه يعزل الهوية المغربية الوطنية عن قيادات صهيونية باتت تتبجح بكونها عربية مغربية».

اقترح حزب
«الأصالة والمعاصرة» مشروع القانون بعد لقائه خالد مشعل

أما عن رفض الأقلية اليهودية للقانون، فقال السفياني إن «المغاربة يعرفون جيداً كيف يفصل بين اليهود كديانة كباقي الديانات، والكيان الصهيوني العنصري الإجرامي».
مع ذلك، عبّر بعض اليهود المغاربة عن انتقادهم القانون، ومنهم سيمون سكيرا، وهو الأمين العام لـ«فيدرالية اليهود المغاربة» في فرنسا، الذي قال إن القرار ستكون له «عواقب كارثية»، مؤكداً أن اليهود المغاربة عبر العالم يلتزمون إرسال شكاوى إلى الديوان الملكي للتنديد بهذا القرار، وذلك عن طريق مستشاره من أصل يهودي، أندري أزولاي. أيضاً، كشف سيون أسيدون، وهو ناشط حقوقي يهودي مغربي مناهض للصهيونية، أن «فيدرالية اليهود المغاربة» أعدّت عريضة توقيعات ترفض سن القانون من أجل تسليمها للملك محمد السادس. وقال أسيدون إن «العريضة تضم أكثر من 120 يهودياً مغربياً يقيمون في فرنسا، وهم يرفضون القانون لأنه وجه من أوجه الإقصاء بحق الأقلية اليهودية المغربية، وقرار طائش ومتهور». وأضاف: «اليهود لهم الحق في الحفاظ على جنسيتهم المغربية أينما كانوا، سواء داخل المستوطنات الإسرائيلية أو في مناطق أخرى».
وضمن حملة الاعتراض، تساءل عدد من الناشطين اليهود في المملكة عن نتيجة فتح هذا الملف وحالة آلاف اليهود الذين اضطروا إلى مغادرة المغرب مكرهين تحت ضغوط وتواطؤ عدد من الأحزاب التي دعت إلى طردهم آنذاك. أما على الصعيد الرسمي، فظلّت السلطات الرسمية تضرب جدار الصمت إزاء أي معطيات تهم الأقلية اليهودية وعدد الموجودين من المغاربة في المستوطنات الإسرائيلية، لكن في حزيران الماضي، خرج وزير الداخلية السابق، محمد حصاد، لأول مرة في البرلمان، وكشف عدد الموجودين في المستوطنات. ورغم أنه لم يكشف أرقاماً واضحة، فإنه أكد أن عددهم يقدر بـ«مئات الآلاف... ويتراوح بين 700 ألف و800 ألف». وجاء ذلك التصريح بعد ضغط أحزاب سياسية لإنشاء مكاتب تصويت انتخابية خارج المملكة، الأمر الذي وجده الوزير السابق «صعباً للغاية» بسبب إشكالية مغاربة إسرائيل.
ويلفّ كثير من الغموض أسباب هجرة اليهود المغاربة إلى فلسطين المحتلة وبدايتها، لكن شمعون ليفي، وهو يساري مغربي يدير «المتحف اليهودي» في الدار البيضاء، كشف في حوار مع مجلة «زمان» (متخصصة في التاريخ) ثلاث محطات لتلك الهجرة، قائلاً إنها جرت على دفعات ولأسباب مختلفة، الدفعة الأولى كانت سنة 1948 «مباشرة بعد قيام الكيان الصهيوني، وعدد هؤلاء نحو 90 ألفاً، وكان معظمهم يزاولون حرفاً بسيطة». أما الدفعة الثانية، فهاجرت، وفق ليفي، بعد حصول المغرب على الاستقلال، لكن معظم هؤلاء لم تكن لهم رغبة في الهجرة، وإنما تم تهجيرهم ربما بقرار من الدولة نظراً إلى الصراع السياسي في تلك المرحلة من تاريخ البلاد. لكن تبقى أكبر محطة هي التي وقعت بعد هزيمة سنة 1967، وفيها خرج عشرات أو مئات الآلاف.