بعد أقل من شهر على إعلان الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، القدس عاصمة للكيان الإسرائيلي، كشف ترامب، عبر تغريدة في «تويتر»، عن جانب من حقيقة أهداف هذا الإعلان، الذي كان واضحاً منذ البداية، وهو إزالة «موضوع القدس عن الطاولة، الذي كان أصعب قضية في المفاوضات». ويدحض هذا الموقف من ترامب بعض محاولات الإيحاء بأن قراره كان يقصد غربي القدس، كونه ترك الباب مفتوحاً حول حدود «العاصمة الإسرائيلية»، وهكذا يكون الرئيس الأميركي قد أكمل إعلانه في السادس من كانون الأول الماضي، عبر توضيح لا يقبل التأويل، وهو أنه كان يقصد شرقي القدس أيضاً، التي كانت قبل إعلان ترامب من القضايا العالقة منذ اتفاق أوسلو، على أن يحسم أمرها على طاولة المفاوضات.
يستند هذا الموقف الأميركي، بإسقاط القدس عن طاولة المفاوضات، إلى تقدير ساهم المسؤولون الإسرائيليون في الترويج له خلال السنوات الماضية، وفيه أنه ما دام هناك موقف أميركي ضبابي بخصوص قضية ما، وتحديداً القدس، فإن ذلك يغري السلطة الفلسطينية للتشدد في مواقفها عبر تعزيز الرهان لديها إزاء إمكانية تحقيق إنجاز ما عبر الضغط الأميركي على الطرف الإسرائيلي. ويضيف هذا التقدير، الذي تبناه ترامب، أن حسم الموقف من القدس يبدد رهانات السلطة ويدفعها إلى التخلي عن هذه «الأوهام». واستكمالاً لهذا المفهوم، يرون في تل أبيب أن الطرف الفلسطيني التسووي، مهما علا صراخه، سيتعامل في النهاية بواقعية ويسلم بالأمر الواقع الذي فرضته، بدعم من واشنطن.
في ضوء هذه الرؤية، يصبح مفهوماً تلويح ترامب بالعقاب المالي، في حال «لا يظهر الفلسطينيون استعداداً لإجراء محادثات سلام» بعد إعلان القدس عاصمة لإسرائيل. ويهدف هذا الموقف إلى الضغط على السلطة للتسليم بالسقف الجديد للتسوية، الذي فرضه. ويعني ذلك أن الإدارة الأميركية تتعامل مع إعلان القدس الأخير كنقطة انطلاق جديدة في عملية التسوية على المسار الفلسطيني. وعلى هذه الخلفية، توالت الخطوات الإسرائيلية ــ الأميركية التي تدفع باتجاه تحويل هذا الواقع المفروض إلى معطى ثابت غير قابل للتعديل، ومن هنا ليس مصادفة التزامن بين هذا الموقف الأميركي، ومصادقة الكنيست الإسرائيلي على قانون «القدس الموحدة»، وأيضاً قرار مركز حزب «الليكود» ضم مستوطنات الضفة إلى إسرائيل.
واللافت أن ترامب تعامل بوقاحة مع السلطة عندما اعتبر أن الولايات المتحدة تقدم سنوياً مئات ملايين الدولارات إليها، فيما «لا نحظى بأي احترام أو تقدير. بل إنهم لا يريدون التفاوض على اتفاق السلام الذي كان يجب أن يتم منذ زمن مع إسرائيل». وهكذا، يتحول الطرف الفلسطيني، وفق منطق إدارة ترامب، إلى معرقل للعملية السياسية، في مقابل إصرار إسرائيلي على مواصلة المفاوضات السياسية!

يمارس الرئيس الأميركي ضغوطاً على السلطة للتفاوض وفقاً لخريطته

في ضوء هذا المشهد السياسي، لم ينقص سوى إعلان أميركي صريح ومباشر بأن على السلطة بلورة سقف وشعار جديد للتسوية التي تحمل رايتها، بدلاً من «دولة فلسطينية على حدود العام 67 عاصمتها القدس الشرقية»، واستبدال ذلك بصياغة جديدة تقر بأن لا دولة فلسطينية ــ يرفضها «الليكود» ــ وربطها ترامب بموافقة إسرائيل، ولا قدس شرقية عاصمة، بعدما أسقطها ترامب عن طاولة المفاوضات، ولا عودة للاجئين، إذ دعت السفيرة الأميركية نيكي هالي إلى إغلاق وكالة «الأونروا» بزعم أنها تسمح للدول العربية بالامتناع عن استيعاب وتأهيل اللاجئين الفلسطينيين وأحفادهم، ولا إخلاء للمستوطنات التي دعا مركز «الليكود» إلى ضمها إلى إسرائيل.
استناداً إلى هذه المعطيات، بات بالإمكان التقدير أن المطلوب أميركياً من السلطة هو إعلان كون الحكم الذاتي السقف الأقصى الممكن. أما عن تسمية هذا الكيان السياسي، فلن يكون هناك مشكلة، وسبق أن وافق رئيس الوزراء الأسبق، أرييل شارون، قبل موته، على تسميته الإمبراطورية.
انتقال إدارة ترامب من جديد إلى مرحلة المبادرة والضغط على الطرف الفلسطيني، بعد إعلان السادس من كانون الأول الماضي، يكشف عن تقدير للوضع أجرته هذه الإدارة حول مفاعيل هذا إعلان القدس «عاصمة لإسرائيل»، وتحديداًَ ما يتعلق بخيارات السلطة التي تملك في هذه المرحلة القدرة على ضبط حركة الشارع الفلسطيني في الضفة، في ظل أن كيان الاحتلال يتخوف من تحركات شعبية واسعة تهدد أمن جنوده ومستوطنيه.
وبالتزامن مع هذه المواقف السياسية، كان لافتاً إعلان أن الجيش الإسرائيلي يدرس إمكانية استهداف عناصر «حركة الجهاد الإسلامي» وكوادرها في قطاع غزة، وفي الوقت نفسه، يأتي وصف رئيس أركان الجيش، غادي ايزنكوت، الدعوات إلى الرد بأقصى قوة، بأنها «غير مسؤولة»، إذ أكد أن الجيش يبذل جهوداً علنية وخفية لوقف استمرار إطلاق الصواريخ.