مجموعة ضغوط وإشكالات خارجية وداخلية في الأردن على مدى الشهور القليلة الماضية حوّلت خبر إحالة ثلاثة من الأمراء الأردنيين على التقاعد إلى مادة خصبة نُسجت على أثرها «شائعات وادعاءات باطلة ملفقة ومغرضة»، وفق بيانٍ للديوان الملكي الأردني صدر نهاية الأسبوع الماضي، بعدما نشر عدد من الصحف والمواقع الإلكترونية العربية (الخليجية تحديداً) والأجنبية أخباراً عن محاولة انقلاب على الملك الأردني ووجود اتصالات بين الأمراء الثلاثة المحالين إلى التقاعد ودول خليجية، ما أدى إلى عزلهم ووضعهم رهن الإقامة الجبرية، علماً بأن اثنين من الثلاثة، فيصل وعلي، ظهرا في عزاء رجل الأعمال الأردني نديم غرغور وابنه، مساء السبت الماضي، أي في يوم صدور البيان.
والأمراء الثلاثة، وهم: فيصل بن الحسين وعلي بن الحسين وطلال بن محمد، يحملون رتباً عسكرية ويشغلون مناصب في الجيش كعادة الأمراء الأردنيين الذين يلتحقون كتقليد ملكي بالكلية العسكرية البريطانية ساندهيرست، التي تخرّج فيها الملك عبدالله الثاني الذي يعتبر «القائد الأعلى للقوات المسلحة الأردنية».
أما بداية القصة، فكانت بتغريدة من الأمير علي، وهو الأخ غير الشقيق للملك عبدالله، وابن الملكة علياء ذات الأصول الفلسطينية التي قضت في حادثة تحطم مروحية أثناء زيارة إلى إحدى المحافظات الأردنية عام 1977، كما أنه الأخ الشقيق للأميرة هيا زوجة نائب رئيس دولة الإمارات ورئيس الوزراء وحاكم إمارة دبي محمد بن راشد.

بجانب التقاعدات، عُيّن حمزة بن الحسين مستشاراً لرئيس
هيئة الأركان
التغريدة المنشورة على «تويتر»، في 25 كانون الأول الماضي، وجّه فيها رسالة «إلى نشامى القوات المسلحة» معلناً إحالته على التقاعد بعد خدمة استمرت 23 عاماً، مشيراً إلى مواقع خدمته في القوات الخاصة ثم قيادة مجموعة الأمن الخاص بعبدالله. بعد ذلك، أعادت الأميرة هيا والأمير حمزة بن الحسين نشر هذه التغريدة التي أعقبها الأخير بتغريدة أخرى في اليوم التالي نشر فيها صوراً له مع الأمير علي عام 1984 في الزي العسكري.
في اليوم نفسه، وجّه عبدالله ثلاث رسائل منفصلة إلى الأمراء المحالين على التقاعد، شكر في إحداها فيصل (الأخ الشقيق) على خدماته قائداً لسلاح الجو ومساعداً لرئيس هيئة الأركان المشتركة، كما منحه رتبة فريق فخري في القوات المسلحة. أما رسالته إلى علي، فكانت بالنص نفسه مع شكره على خدماته في القوات الخاصة والحرس الملكي، ثم منحه رتبة لواء فخري. والنص نفسه وُجّه إلى طلال بن محمد (ابن عم الملك) الذي شغل منصب سكرتير عسكري للملك الراحل الحسين، وكان ضابطاً في القوات الخاصة، كما منح رتبة لواء فخري.
الرسائل الملكية الثلاث أشارت إلى «الرعاية والاهتمام بالقوات المسلحة، والعمل على تحديثها وتطوير قدراتها وتزويدها بكل ما يلزم لتمكينها من النهوض بمسؤولياتها الجسيمة»، وكذلك بيّنت أن القوات المسلحة الأردنية «تقوم بعملية إعادة هيكلة وتطوير شاملة لتعزيز قدرات الوحدات ذات الواجبات العملياتية، وتوفير المتطلبات اللازمة وتوحيد القيادات وتقليص الأكلاف وإعادة تشكيل الهرم القيادي بالشكل المطلوب للسنوات المقبلة». وهو مضمون تحدث عنه عبدالله في مناسبات سابقة في ضوء ميزانية الدفاع العسكرية المرتفعة والتوجه الرسمي إلى خفض النفقات. كما جاء في الرسائل أن «العمل المؤسسي في القوات المسلحة اقتضى إعادة هيكلة»، ما أدى إلى إحالة الأمراء على التقاعد «أُسوة» بكبار الضباط في الجيش.
جراء ذلك، توعّد بيان الديوان الملكي، الذي نفى ما تم تداوله عن خلفية إحالة الأمراء على التقاعد، بالملاحقة القانونية بحق كل «من يسيء أو ينشر الأكاذيب والمزاعم الباطلة» بحق الأمراء. ولكن الخبر الأهم الذي ضاع بمعمعة الإعلام الخليجي، هو تعيين الأمير حمزة بن الحسين (يحمل رتبة عقيد في الجيش) مستشاراً لرئيس هيئة الأركان المشتركة لشؤون الصناعات الدفاعية، بالإضافة إلى عمله الحالي، وهذا القرار صدر في 27 كانون الأول 2017. وبالرجوع إلى الموقع الإلكتروني الخاص بالقوات المسلحة والموقع الخاص بالأمير، لم تذكر هذه المعلومة بل ذكر أن أحدث منصب عسكري تولاه هو قيادة سرية مع الكتيبة الثالثة التابعة للواء المدرع الملكي الثاني ومسؤوليته عن ثلاثة فصائل.
وبصورة عامة، تعيش المملكة أزمة سياسية وشعبية كبيرة، وخاصة بعد قرار الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، بشأن القدس، إذ إن القرار يمس مباشرة النظام في الأردن بصفته صاحب الولاية «الهاشمية» على المقدسات في المدينة المحتلة. ومنذ إعلان القرار، خاض الملك الأردني جولات عدة في ظل جو من الانزعاج الخليجي عموماً، والسعودي خصوصاً، وخاصة أنه كان في زيارة للرياض قبل يوم واحد من انعقاد القمة الإسلامية في إسطنبول، كما زار بعدها بابا الفاتيكان والرئيس الفرنسي.
والأزمة المتعلقة بالقدس ليست التحدي الوحيد، بل سبقها انحسار لدور المملكة منذ ما بات معروفاً بالتقارب الخليجي ــ الإسرائيلي و«صفقة القرن» التي استثني الأردن من مشاوراتها، ليجد القصر نفسه بحاجة إلى خيارات جديدة، وهو ما يفسر الانفتاح الأخير على تركيا، وأيضاً فتح خطوط اتصال مع إيران في ظل زيارة رئيس مجلس النواب للسفير الإيراني في عمّان وإعلانه زيارة أخرى له لطهران.
من جهة أخرى، تستمر مشكلة السفارة الإسرائيلية الشاغرة، ولغاية اللحظة لا انفراج في العلاقات «البروتوكولية» بين الأردن وإسرائيل، رغم أنه لا خلاف جوهرياً بينهما، كما يأتي ذلك في وقت يتواصل فيه شغور السفارة الأميركية من سفير في المملكة بعد مغادرة السفيرة السابقة ذات الحضور الكثيف داخل المملكة، أليس ويلز، في نهاية آذار الماضي بعد شغلها منصبها منذ 2014.
وداخلياً، يواجه الأردن تحديات اقتصادية كبيرة بعد إقرار موازنة 2018 واتخاذ قرارات صعبة برفع الدعم عن عدد من السلع؛ أبرزها الخبز، علماً بأن مجلس النواب أقر الموازنة في آخر يوم من عام 2017 بعد حراك نيابي استعراضي وتوقيع عرائض رافضة لهذه الموازنة التي صوّت أخيراً لمصلحتها، وذلك في استهداف واضح لقوت الشعب.
(الأخبار)