يبدو أن الأزمة المندلعة حديثاً بين تونس والإمارات تتجه إلى مزيد من التصعيد، في ضوء تهديد السلطات التونسية باتخاذ إجراءات جديدة ضد أبو ظبي، واعتزام لجان وشخصيات تونسية مقاضاة الخطوط الجوية الإماراتية أمام القضاءين المحلي والدولي. يأتي ذلك في وقت تتمنّع فيه الإمارات عن إبداء أيّ بوادر تهدئة تجاه تونس، التي ما تزال على مطالبتها السلطات الإماراتية بالاعتذار عن قرارها منع التونسيات من ركوب طائراتها.
قرارٌ أعاد تفجير خلاف ليس الأول من نوعه بين البلدين خلال السنوات الأخيرة، وسلّط الأضواء مجدداً على الخلافات السياسية التونسية - الإماراتية، التي تظهر هذه المرة مرشّحة للاحتدام، في ظل الإصرار الإماراتي على دفع غير دولة أفريقية إلى حسم تموضعها ومواقفها من معارك حلف الرياض - أبو ظبي، وامتعاض الأخيرة مما تعتبره انفتاحاً تونسياً «زائداً عن اللازم» على المحور «الإخواني»، تَعزَّز بزيارة الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، إلى تونس، الأربعاء الماضي.
وأعلن وزير النقل التونسي، رضوان عيارة، أمس، أن اللقاءات مع ممثلي شركة الخطوط الجوية الإماراتية «لم تحقق أي تقدم»، ملوّحاً بأنه في حال استمرار ذلك «فسيتم اتخاذ إجراءات أخرى بالتنسيق مع وزارة الخارجية التونسية». وقال إن «الجانب التونسي لم يتلقّ أي وعد من الإمارات لاستئناف الرحلات». وكانت وزارة النقل التونسية قررت، الأحد الماضي، «تعليق رحلات شركة طيران الإمارات من وإلى تونس، إلى حين تمكّن الشركة من إيجاد الحل المناسب لتشغيل رحلاتها طبقاً للقوانين والمعاهدات الدولية». جاء ذلك رداً على قرار «طيران الإمارات» منع التونسيات من ركوب طائراتها (بما فيهنّ اللواتي يتخذن الإمارات نقطة عبور نحو دول أخرى)، باستثناء الحاصلات على إقامة في الإمارات أو صاحبات جوازات السفر الدبلوماسية.

قرابة 20 ألف
تونسي يعملون على الأراضي الإماراتية

ويأتي تهديد السلطات التونسية بإجراءات إضافية ضد الإمارات في وقت تتجه فيه «لجنة الدفاع عن التونسيات»، التي تم تشكيلها عقب القرار الإماراتي، إلى رفع دعاوى قضائية على الخطوط الجوية الإماراتية أمام المحكمة الابتدائية في تونس، وكذلك أمام المنظمات الدولية المعنية، لإرغام الشركة على الاعتذار للتونسيات وتعويضهن مادياً ومعنوياً. كما تستعد اللجنة لتقديم شكوى بهذا الشأن للمقرر الخاص للأمم المتحدة المعني بحقوق الإنسان، بالتنسيق مع الفدرالية الدولية لحقوق الإنسان. اعتزام أثار ردود فعل مشجعة في الأوساط الحقوقية التونسية التي رأت فيه «خطوة صائبة» للرد على القرار الإماراتي «المشين والمتخلف» بحسب وصفها، الذي تكاد تجمع عليه الأوساط السياسية والشعبية التونسية.
إلى الآن، لا يزال يتفاعل التونسيون إيجاباً مع الإجراءات المتخذة في بلادهم ضد الإمارات. ويبرز هذا التفاعل على موقع «تويتر»، حيث دُشّن، قبل أيام، وسم بعنوان «#تونس_تؤدب_الإمارت»، عبّر من خلاله التونسيون عن سعادتهم بتلك الإجراءات، واعتزازهم ببلادهم التي «لا تملك ناطحات سحاب ولكنها تملك همماً وكرامة» على حد تعبير بعضهم. بالتوازي مع ذلك، توالت ردود فعل الأحزاب والشخصيات السياسية والإعلامية ومنظمات المجتمع المدني، منددة بالقرار الإماراتي الذي عدّته «استخفافاً بالدولة التونسية»، وداعية إلى «إجراءات عقابية ضد الإمارات».
على المقلب الإماراتي، لم تكلّف السلطات نفسها عناء امتصاص الغضب الذي ولّده قرارها، الذي عزته إلى معلومة أمنية تفيد باحتمال ارتكاب تونسيات أو حائزات جوازات سفر تونسية أعمالاً إرهابية داخل الإمارات، وكأنها تريد تثبيت التكهنات بأن ثمة خلفيات سياسية للقرار. لم يصدر عن أبوظبي، حتى اليوم، إلا تصريحان: أحدهما لمغرد الدولة الأشهر، وزيرها للشؤون الخارجية، أنور قرقاش، الذي اكتفى، عقب مرور يومين على اندلاع الأزمة، بالقول إن «معلومة أمنية فرضت إجراءات محددة وظرفية»، داعياً إلى تفادي ما سماها «محاولات التأويل والمغالطة». وثانيهما للمستشار الثقافي لحكومة دبي، جمال بن حويرب، الذي اعتبر، بلهجة استعلاء، أن «الخطوط الجوية الإماراتية لم تخسر شيئاً من القرار التونسي»، وأن «تونس هي الخاسرة». تعليقات بدا لافتاً نيلها تصفيقاً سعودياً عبر وسائل الإعلام الموالية للمملكة، والتي اعتبرت أن ثمة من يريد «توظيف أي شيء للتشويش على الإمارات».
ليس الأمر بالبساطة التي يحاول الإماراتيون والسعوديون تصويرها، خصوصاً أن لأبو ظبي سوابق في اتخاذ إجراءات ضد تونس على خلفيات سياسية غير معلنة. نموذجان من ذلك ما حدث عام 2013 عندما استدعت الإمارات سفيرها لدى تونس بسبب ما قيل يومها إنه امتعاض من دعوة الرئيس (حينها) المنصف المرزوقي إلى إطلاق سراح الرئيس المصري المعزول، محمد مرسي، وما سجّله عام 2015 من منع للتأشيرات الإماراتية عن التونسيين (ساد الاعتقاد يومذاك بأن ثمة انزعاجاً إماراتياً من إشراك حركة النهضة في الحكم بعدما كانت أبو ظبي تأمل بأن تؤدي نتائج انتخابات 2014 إلى استبعادها)، لم تمرّ على قرار رفعه في فبراير/ شباط 2017 إلا أشهر معدودات.
اليوم، يمكن الحديث عن أسباب سياسية متعددة ربما ترى إليها الإمارات مبررات كافية لـ«معاقبة» تونس. لم تنجرف تونس، عقب اندلاع الأزمة الخليجية في حزيران/ يونيو الماضي، وراء التيار الداعي إلى عزل قطر ومحاصرتها. على العكس من ذلك، بدا موقفها أقرب إلى التضامن مع الدوحة من خلال دعوتها إلى «حل يرضي جميع الأطراف»، وتحذيرها من «مزيد من التفرقة». موقفٌ عزّزته تونس بالحفاظ على علاقات إيجابية مع قطر، التي لا يروق الإمارات حضورها الاستثماري والإعلامي على الساحة التونسية، إلى جانب الحضور الجزائري الذي تخشاه كذلك أبو ظبي وتسعى إلى التضييق عليه، بحسب ما أفادت به وثيقة مسربة عن وحدة الدراسات المغاربية في مركز الإمارات للسياسات (الأخبار - العدد 3196). وإلى جانب ما تقدم، يأتي الموقف التونسي الحذِر إزاء الأزمة الليبية، خلافاً لرغبة أبوظبي التي تلقي بثقلها خلف طرف واحد من أطراف الصراع الدائر هناك (المشير خليفة حفتر).
بالنظر إلى كل تلك التباينات وخلافها لا يعود مستبعداً أن تكون للقرار الإماراتي الأخير دوافع سياسية، خصوصاً أنه جاء دون تنسيق مع السلطات التونسية، وبلا أي إشارات مسبقة، وبصيغة لا يُتوقع أن لا تكون أبوظبي على دراية بطابعها «المهين». وعليه، لا يبدو أن ثمة حلحلة قريبة للأزمة التي تلقي بهواجسها على قرابة 20 ألف تونسي يعملون على الأراضي الإماراتية، ويخشون أن تطال تبعات الخلاف المتجدد أعمالهم ومصالحهم في الإمارات، صاحبة السبق في طرد الرعايا الأجانب من أراضيها على خلفية مواقف دولهم من أزمات بعينها.
(الأخبار)