يفترض بالعرب، الدول والشعوب، أن تسارع فوراً إلى التطبيع مع إسرائيل والانتقال من تخلف العصور الوسطى، وكونهم مجرد بغال، إلى الحداثة والرقي وبناء الغد المشرق، جنباً إلى جنب مع إسرائيل، رمز ومعنى العلم والمعرفة والتطور.
رسم كاريكاتوري صدر عن وزارة الخارجية الإسرائيلية، التي يتولى فيها منصب الوزير، رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو، يصوّر العرب والعالم العربي ومقاطعي إسرائيل، بالبغال الذين ما زالوا يركبون على البهائم، وهم عنيدون مثلهم. في مقابل صورة مشرقة لإسرائيل، ترحب بهم وتدعوهم إليها لمشاركتها التطور.
الرسم، كما ورد، لو كان قد صدر عن جهة عربية، مع عكس مواقع الطرفين، لكان وسم بلا إبطاء بأنه معاد للسامية ومشبع بالعنصرية. مع ذلك، الرسم كما ورد، يعبّر عن وجهة النظر الإسرائيلية الفعلية للإسرائيليين تجاه العرب، وتحديداً من يتراكض باتجاهها، باعتبار أن الهزيمة كوت وعيهم إلى الحد الذي لا تؤثر فيهم تعبيرات إسرائيلية كهذه. كذلك إن تل أبيب نفسها لا تتوانى ولا تحذّر من تبعات أفعالها العنصرية، على هذه الشاكلة التي لا تضر المطبعين ولا تلغي احتقارهم لذاتهم، من خلال تطبيعهم معها.
هدف الرسم هو تظهير «الخلاف» بين إسرائيل والعرب لكونه مجرد خلاف بين تطوّر وتخلف مقابل علم وجهالة، وبين إنسان مقابل بغال. وفي حال إقدام العرب على مدّ اليد إلى إسرائيل، فإن كل الخلافات القائمة تنتهي. أي لا قضية فلسطينية، ولا مقدسات ولا حقوق مغتصبة التي تعد من ناحية إسرائيل مجرد تعبيرات عن هذا التخلف والجهالة، في حين أن التشديد العربي عليها والتمسك بها، هو تعبير عن عناد بغال.
في تعبيرات الرسم، كما يرد، دفع لتعميق أكثر لهزيمة بعض العرب وحفرها أكثر في وعيهم. يستهل الرسم كلامه بالاستشهاد بمثل إنكليزي: إن لم تكن قادراً على هزيمتهم، فانضمّ إليهم. ويضيف: آن الأوان للتعاون بين إسرائيل وجاراتها بهدف بناء مستقبل مشرق لدول المنطقة بدلاً من المقاطعة والبقاء في العصور الوسطى. ويستشهد الرسم أيضاً باستطلاع رأي، كانت قد نشرته إسرائيل بمبادرة وتمويل من وزارة الخارجية، وجاءت نتيجته، رغم ذلك، أن خمسين في المئة من شعوب الدول العربية المحيطة بإسرائيل، لا مانع لديها من إقامة علاقات معها. وهو أيضاً مسعى من قبلها، لترسيخ نتيجة استطلاع رأي مشكوك فيه، كان مورد تكرار متتابع لنتنياهو، في الرد على استطلاعات الرأي التي تشير إلى أنّ موقف الجمهور العربي تجاه إسرائيل مخالف لموقف الأنظمة التي تتراكض بالفعل نحو التطبيع.
وقد تكون إسرائيل، أمس، وللمفارقة، قد ردّت بنفسها على رسمها العنصري بصورة غير مباشرة، وأفرغت دعوتها التطبيعية المبنية على العنصرية الواضحة، عبر نشر إذاعتها الرسمية تقريراً عن حالة الفقر فيها. وهي التي إن دلت على شيء، فإنها تدل على مدى العنصرية والتمييز والتفرقة فيها ومستواها، ليس باتجاه من يمد يد التطبيع والتعاون معها من الخارج كما تطالب في رسمها الكاريكاتوري، بل تجاه أولئك المفترض بحسب قانونها أنهم مواطنون يحملون جنسيتها. تقرير الإذاعة يشير إلى معطيات جديدة تؤكد أن 62 في المئة من الأطفال الفلسطينيين (من أراضي عام 1948) يعيشون تحت خط الفقر، فيما يقابلهم 20 في المئة من اليهود. وهذا هو فقط أحد تعابير العنصرية والتفرقة في «الدولة الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط».
الرسم العنصري لوزارة الخارجية كان فجّاً إلى درجة امتناع عدد من الكتاب الإسرائيليين الدفاع عنه، بل ومهاجمته، إلا أن هذه المواقف تتخذ بناءً على ضرورة الامتناع عما يضرّ بصورة إسرائيل، وهي مواقف غير مبنية على رفض العنصرية، بل دفاع عن هذه الصورة تحديداً. وكعيّنة على ذلك، قال المدير الأكاديمي لمجموعة «منتدى التفكير الإقليمي» البحثية، أساف ديفيد، إنّه عندما ينشر الإعلام العربي «رسم مشابه حول اليهود، فإن المعاهد البحثية ووزارة الخارجية تدينها، وتشير إلى معاداة السامية»، وفي تهكّم واضح وسخرية، أضاف أن الرسم هو «نموذج للبراعة الدبلوماسية. (هل) العرب سيقتنعون الآن!».