تبنّت وثيقة الأمن القومي الأميركي، التي قدمها الرئيس دونالد ترامب، الرواية الإسرائيلية الكاملة التي تعمل على ترويجها في المنطقة والعالم حول موقع احتلال فلسطين من صراعات المنطقة، ودور إيران. واعتبرت أنّ الصراع الفلسطيني الإسرائيلي ليس عقبة مركزية أمام السلام في الشرق الأوسط، في مقابل أن إيران هي العامل المركزي في عدم الاستقرار، وأنها ليست جزءاً من الحل.
في ما يتعلق بالشرق الأوسط، حدَّدت الوثيقة ثلاثة تهديدات مركزية: تمركُز التنظيمات الإرهابية في المنطقة وتصديره إلى العالم؛ توسُّع النفوذ الإيراني في المنطقة ودعم طهران للإرهاب، وتهديد استقرار سوق الطاقة العالمية. وهو ما يتلاقى مع الرؤية الإسرائيلية في الموقف من «النفوذ الإيراني» ومما تطلق عليه الإرهاب. ومع أن إدارة ترامب لم تتبنّ الاستراتيجية الهجومية التي كانت تأملها تل أبيب باعتبارها المدخل لتغيير موازين القوى الإقليمية في مواجهة إيران وحلفائها، إلا أن الوثيقة شددت على عدم نية واشنطن الانسحاب من الشرق الأوسط أو تقليص وجودها في المنطقة. وهو ما يعني، كما لفت إلى ذلك رئيس معهد أبحاث الأمن القومي، اللواء عاموس يادلين، إلى أن ترامب لا ينوي الاستمرار في استراتيجية «الانتقال» من الشرق الأوسط إلى شرق آسيا التي قادها الرئيس السابق باراك أوباما. وفي الوقت نفسه، عدم تبني نهج فرض إصلاحات ديمقراطية على أنظمة المنطقة، كما جرى خلال ولاية الرئيس جورج بوش الابن.
من دون أن يتعارض ذلك مع الإشارة إلى أن الولايات المتحدة ستدعم الأنظمة التي ستقرر من تلقاء ذاتها الدفع قُدُماً بإصلاحات، وقد ذُكرَت السعودية ومصر في هذا السياق.
أما عن كيفية مواجهة التهديد الإيراني، فقد رأت الوثيقة أن ذلك يكون ضمن إطار تحالف ينشئ جبهة موحدة وواسعة يمكنها أن تخلق توازن قوى إقليمياً ضد إيران وإرساء الاستقرار في الشرق الأوسط. ويستند التحالف إلى التعاون بين دول الخليج وإلى تعاون مع إسرائيل. ورأى يادلين أن هذين الشرطين، لم ينضجا بعد، ومن الصعب التوقع أن ينضجا في وقت قريب.
مع ذلك، انطوت الوثيقة، بحسب قراءة معهد أبحاث الأمن القومي، على تحديات وفرص. ورأت أن الاستراتيجية الأميركية تعاني من فجوات، ومنها عدم التعرض لخطوات محدَّدة يجب على إدارة ترامب القيام بها من أجل ترجمة الاستراتيجية المعلنة إلى أفعال. وينبع التخوف الإسرائيلي من احتمال ألّا تترجم المقاربة المقترحة إلى أفعال، ما سيؤدي إلى مواصلة إيران سعيها إلى توسيع نفوذها في المنطقة من دون إزعاج كبير.
وكان لافتاً، ملاحظة يادلين أن الاستراتيجية الأميركية غلب عليها الطابع الدفاعي لكونها تستهدف وضع حد للتحركات الإيرانية، وبشكل أساسي عبر إنشاء جبهة تؤدي إلى توازن إقليمي. وقصدت الوثيقة بذلك، كبح النشاطات الإيرانية وتقليص ضررها، بالتعاون مع لاعبين إقليميين مؤيدين للأميركيين، كشرط لتحقيق هذه الأهداف.
أما ما سيترتب عن ذلك، عملياً، بالنسبة لإسرائيل، فهو بقاؤها في جبهة الصراع في مواجهة إيران، بينما القدرة على إقامة جبهة إقليمية واسعة مشروطة بقدرة دول الخليج على التعاون، وتحديداً في هذا الوقت الذي يزداد فيه التوتر بينها، في ضوء محاولة السعودية الدفع قدُماً بسياستها بطريقة عنيفة ومحاولة فرضها على سائر دول الخليج. ولفتت القراءة الإسرائيلية إلى أنه نتيجة عدم إحراز تقدم على المسار الفلسطيني الإسرائيلي، فإن فرص موافقة الدول الخليجية على التعاون مع إسرائيل في مواجهة إيران بشكل علني تبقى محدودة.
في ضوء ذلك، دعت القراءة إلى بلورة بدائل أخرى عن نجاح تشكيل تحالف إقليمي واسع لمواجهة إيران. وأوضحت أنه على الرغم من التزام إدارة ترامب عدم الانسحاب من الشرق الأوسط لمصلحة التركيز على جنوب شرق آسيا، لم تستبعد القراءة أن تجد إدارة ترامب نفسها مضطرة إلى خيار كهذا، نتيجة التحدي الاقتصادي الذي تمثله الصين، وبسبب التهديد الذي تمثّله كوريا الشمالية. في المقابل، شدد يادلين على ضرورة محاولة التأثير بالخطوات الأميركية المستقبلية من أجل ألّا يتحقق هذا السيناريو الذي تتخوف منه إسرائيل.
وعبّرت قراءة يادلين عن تخوّفها من توصيف الولايات المتحدة لإسرائيل «كخصم استراتيجي» يمكن أن يشكّل معضلة لها، انطلاقاً من أن تل أبيب لا يمكنها أن تستغني عن التنسيق والتعاون مع روسيا في سوريا، ولا سيما في ظل رهانها على الاستفادة من الوجود الروسي لمواجهة النفوذ الإيراني هناك.