القمامة التي ملأت الشوارع طوال العام الفائت دون أن تجد البلديّة حلاً لها، إضافةً إلى تأزّم وضع الكهرباء، وأخيراً انقطاع المياه... كلّ ذلك بات واقعاً في مدينة اللاذقية، والتبريرات حاضرة دائماً، من ظروف الحرب المستمرّة إلى ضرب خطوط الغاز التي تغذّي مؤسسات الكهرباء في الساحل السوري، وحمص، والمنطقة الجنوبيّة. غير أنّ السوريين، بعد قرابة خمس سنوات من عمر الحرب، خبروا هذه الحجج، وشهدوا على عجز حكومتهم عن إنجاز خطط بديلة أو اتخاذ الاحتياطات الضرورية، تحسبّاً للظروف المفاجئة.
وعلى الرغم من هذا الواقع المرير، شهد الساحل السوريّ، خلال عطلة العيد الماضية، تدفّق الآلاف من المواطنين إليه، من مناطق مختلفة، رغبة منهم في استراحة قصيرة والعيش في ظلّ وسائل العيش «الطبيعيّة» التي توفّرها المؤسسات السياحيّة عبر بدائل معقولة.
غير أنّ ذلك كان سبباً للازدحام الخانق الذي شهدته، على سبيل المثال، مدينة اللاذقية، التي تضمّ إضافة إلى أبنائها، أعداداً كبيرة من النازحين إليها من مختلف المدن.
«هربنا من دمشق، والطقس الخانق، والقذائف التي تزورنا يومياً. قلتُ لزوجتي على الأقل يمكننا أن نمضي إجازة دون انقطاع الكهرباء والمياه، بحكم توفير بدائل ضمن المنشآت السياحية الضخمة»، يقول زياد وهو يجلس على رمال «الشاطئ الأزرق» يتأمل أطفاله يلعبون بسلام. غير أنّه يشتكي، كغيره من المصطافين، من الغلاء «السياحيّ»، والازدحام الخانق في المدينة.
أيّام العيد حملت لأبناء اللاذقية عيديّة غير منتظرة، إذ ارتفعت ساعات التقنين الكهربائي، ليعاني أبناء المدينة من انقطاع الكهرباء لخمس ساعات متواصلة، مقابل ساعة كهرباء واحدة، وسط عدم تصديقهم للحجّة الحاضرة، وهي استهداف خطوط الغاز في ريف حمص الشرقي من قبل «داعش»، متسائلين عن سبب عدم اتخاذ الحكومة أية إجراءات طارئة، ريثما ينهي الجيش مهمّته في تأمين محيط الخطوط المستهدفة لإصلاح الأعطال.

نتابع أخبار المعارك في وادي بردى بدقة من «تنسيقيات» المعارضة

ويبدو أنّ رواج تجارة المولّدات الكهربائيّة والبطاريات والبدائل الأخرى، هي ما يدفع المواطن إلى التشكيك بالرواية الحكوميّة. «مع بدء العام الحالي، تحت شعار (عيشها غير) توقعنا أن الحكومة تعدنا بعلاج أزماتها المتعلقة بالضغط الدولي والاقتصادي، على حسابنا، وليس على حساب المسؤولين وجيوبهم. التيار الكهربائي ينقطع في أحيائنا الفقيرة والمتوسطة، فيما لا ينطفئ النور في غرف نوم المسؤولين. علينا نحنُ أن نعيشها غير، فيما يعيشونها خمس نجوم، كما كانوا دائماً»، يقول المحامي الثلاثيني، علاء، قبل أن يتابع ساخراً: «طبعاً بس تجي الكهربا بتنقطع المي. ترف الحصول على الوسيلتين المعيشيتين أمر لا نستحقه». وسط هذه المعاناة، يشير أحد أعضاء مجلس مدينة اللاذقية إلى توافر بدائل نفطية في الساحل السوري، ما يعني توافر عناصر الطاقة اللازمة لتخفيف معاناة المواطنين، فيما لو شاء المعنيون التفكير بالمصلحة الوطنية.
يتشارك أبناء الساحل السوري معاناتهم، مع ضيوفهم، النازحين من المحافظات الأخرى، وتحضر مدينة حلب «المنسيّة» من اهتمام الحكومة، في ضمائر أبناء الساحل، فيقول جلال، ابن مدينة اللاذقية: «نخجل عند تذكر معاناة أهالي حلب الذين رفضوا ترك بيوتهم والنزوح أو اللجوء، دون أي دعم إضافي من المسؤولين لأولئك المقاومين في سبيل الحياة. هؤلاء لم يخرجوا من بيوتهم كي لا يخسروا كرامتهم، غير أن الكرامة هي آخر اهتمامات المعنيين بتسيير شؤوننا». بينما تصف سناء، الأيام الثلاثة التي أمضتها في أحد المنتجعات السياحيّة، في مدينة طرطوس، بأنها «رحلة إلى جنة الخلد». هي القادمة من صحنايا، في ريف دمشق، حيث يعاني السكان، كحال الكثير من مناطق دمشق وريفها، من انقطاع متواصل للتيار الكهربائي لقاء كلّ نصف ساعة كهرباء تقريباً. «لم نعد نصدق مسؤولي هذه الحكومة. وراء كل مؤامرة تتعرض لها البلاد، أحد المسؤولين المستفيدين من استمرار الحرب، إضافة إلى داعش والنصرة وباقي الفصائل» تقول سناء، وتضيف: «للمياه شجونها أيضاً. فقد أصبحنا نتابع أخبار المعارك في وادي بردى بدقة من تنسيقيات المعارضة، للاطمئنان إلى واقعنا المائي، في ظل تهديدات المسلحين بقطع المياه عن العاصمة. وندعو للجيش أن ينال التقدم المرجو نحو المنطقة الحيوية، في ظل انعدام الخطط البديلة لدى حكومة الحرب، التي لا تخطيط لديها».
وفي هذا السياق، أكدت مصادر في وزارة الكهرباء ضرورة «العمل على تقليل مدة التقنين، لتخفيف الضغط على المواطنين، وسط حالة التذمر الشعبية، جراء مدة التقنين الطويلة». وذكرت المصادر أنّ «ساعات انقطاع التيار الكهربائي بدأت تتقلص في بعض المناطق، لتلحق بها مناطق أُخرى تباعاً، بعد محاولات يبذلها القيمون على واقع الكهرباء في البلاد». وأثنت المصادر على «الجهود التي تبذلها كوادر الوزارة ومؤسساتها، التي قدمت الشهداء من عمّالها، في سبيل إصلاح الأعطال الكهربائية التي سبّبها الإرهابيون، على امتداد الأراضي السورية».




استيقظ أبناء اللاذقية، في أحد أيام الشهر الفائت، على حفارات التنقيب النفطية في منطقة مشروع شريتح، القريبة من حي قنينص. وسرعان ما نصبت الخيام للعمال والخبراء، وبدأت أعمال الحفر، للتنقيب عمّا وصف بـ«نفط عالي الجودة»، ما أدى إلى ازدهار آمال أبناء المنطقة، بخير يعود على البلاد، التي تعاني من تدهور أوضاعها الاقتصادية، إضافة إلى ما يمكن أن يحمله النفط المكتشف من تحسين في خدمات الدولة لأبنائها الصابرين. ويتوقع العاملون في موقع التنقيب الجديد أن يكون استثمار النفط المكتشف عالي القيمة، بسبب قلة كلفة الاستخراج والتنقيب، ضمن طبيعة أراضي الساحل السوري، التي تختلف معدات التعامل معها عن المعدات والخبرات المطلوبة في المواقع الصحراوية. وبحسب دراسات لمراكز أبحاث معنية بالثروات الباطنية والطاقة، تتوافر المؤشرات، منذ عقود، حول غنى الساحل السوري بمادتي النفط الخفيف، والغاز، ما يزيد نسبة التوقعات بالكشف عن مزيد من آبار النفط والغاز.