المشهد الإعلامي العبري، في اليوم الأول بعد الهزيمة الأميركية ــ الإسرائيلية في الجمعية العامة للأمم المتحدة حول القدس، عارم بالتوتر والحسرة والضعف، رغم محاولات التعمية على تبعات القرار الأممي ومعانيه ودلالاته.السمة العامة لردّ الفعل في تل أبيب، الرسمي كما الإعلامي في أعقابه، أن إسرائيل تلقّت والإدارة الأميركية، صفعة دولية.

إقرار بالهزيمة واضح جداً، وإن كان بتعالٍ واضح أيضاً، وتكفي معاينة التصريحات الرسمية كما وردت على لسان المسؤولين في تل أبيب، كي يتبيّن حجم الهزيمة ومستواها. بالطبع، لا تعني نتيجة التصويت قلب موازين الاحتلال واختلاله تجاه القدس والحقوق الفلسطينية، لكن تبيّن لإسرائيل، من جديد، أن الموقف الدولي بما يتعلق بإمكان التعايش المطلق مع احتلالها وتجاوزاتها، لم يصل إلى الحد الذي كانت تأمل، رغم كل المساندة التي لديها شرقاً وغرباً، وللأسف أيضاً، من قبل دول «الاعتدال» العربي التي تكاد تزايد على موقف إسرائيل من القضية الفلسطينية والقدس.
رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، أشار إلى أن الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل سيتسرب في نهاية المطاف إلى أروقة الأمم المتحدة، التي تشكّل كما قال «بيت الأكاذيب». وأضاف أن «القدس هي عاصمة إسرائيل، سواء اعترفت بذلك الأمم المتحدة أو لم تعترف». نتنياهو، في موازاة ذلك، عمد إلى اقتناص الفرصة على خلفية تحسين موقفه في صراعه الداخلي على المكانة والسلطة في إسرائيل، من خلال تظهير جهده الذي حال دون مستوى أعلى من الهزيمة، إذ لفت مكتبه في بيان إلى «أننا راضون عن عدد الدول التي لم تصوت بالإيجاب»، في إشارة منه إلى الدول الممتنعة عن التصويت، وشدد على أن «هذا العدد الكبير من الدول التي لم تؤيد القرار، دول زارها نتنياهو في أفريقيا وأوروبا وأميركا الجنوبية».
القوس السياسي والحزبي في إسرائيل كان «ساخطاً»، ووجّه الانتقادات المعتادة إلى الأمم المتحدة، واتهمها بالوقوف إلى جانب «الإرهاب»! وزير الأمن الإسرائيلي، أفيغدور ليبرمان، قال: «لا جديد في الأمم المتحدة، ومن الجيد أن الولايات المتحدة هي منارة الأخلاق وضوء في الظلام». أما وزير التعليم، نفتالي بينت، فأكد أن «التصويت فارغ من قيمته»، واكتفى رئيس الكنيست، يولي ادلشتاين، بالقول إن «العار على الأمم المتحدة»، وجاء في سياقه تعليق رئيس حزب «يش عتيد» يائير لابيد، بأن «الأمم المتحدة فقدت كرامتها، وحلفاء إسرائيل الأوروبيين استسلموا ووقفوا إلى جانب من يساندون الإرهاب والإبادة الجماعية بدلاً من الوقوف إلى جانب الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط».

القوس
السياسي والحزبي
في إسرائيل كان «ساخطاً»


وزارة الخارجية الإسرائيلية، التي يشغل نتنياهو منصب الوزير فيها، أشارت أيضاً في بيان لها إلى أن «عدد الدول التي لم تدعم القرار بالإضافة إلى الدول التي غابت عن التصويت هو المعطى الأهم، إذ لم يشترك كل العالم في هذه التمثيلية»، في توافق تام مع سياسة نتنياهو، على ضرورة النظر الفرص وليس إلى التهديد وحسب، وكما قالت قناة «كان» العبرية، إلى «ثلث الكوب الملآن أو اقل من ذلك» في تهكم منها على هذه المقاربة.
وهذه المقاربة وجدت صداها في صحيفة «إسرائيل اليوم»، التي تُعَدّ الناطقة غير الرسمية باسم نتنياهو، والتي عنونت على صدر صفحتها الأولى بالخط العريض: «إنجاز لإسرائيل، 35 دولة امتنعت عن التصويت في الأمم المتحدة»، مشيرة إلى أنّ «لوحة التصويت في الجمعية العمومية تلوّنت أمس بـ35 مربعاً باللون الأصفر – وهو لون يشير إلى أن التاريخ يتغيّر. كانت هذه 35 دولة امتنعت عن التصويت للتنديد بقرار ترامب الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، انضمت إليها 9 دول أخرى عارضت، و(فقط) 128 دولة صوتت مع القرار».
إلا أن استراتيجية «الإنجاز رغم الخسارة»، لم تجد تعبيراتها بنحو لافت خارج الناطقين غير الرسميين باسم نتنياهو في الإعلام العبري. صحيفة «يديعوت أحرونوت» أشارت في صدر صفحتها الأولى إلى أن «العالم تقريباً كله ضدنا»، وجاء في سياقها عنوان صحيفة «هآرتس» أن «128 دولة صوتت ضد الإعلان الأميركي أن القدس عاصمة لإسرائيل»، أما صحيفة «معاريف»، فأشارت إلى أن «128 دولة ضد إسرائيل»، فيما جاء عنوان صحيفة «جيروزاليم بوست» أكثر مباشرة: «128 أمة أعلنت أن قرار أميركا حول القدس فارغ وبلا قيمة».
صحيفة «هآرتس» أشارت إلى أن «مهرجان القدس» في الأمم المتحدة هو هدية لطهران، وأن على إسرائيل أن تقلق، مضيفة أن «قرار الجمعية العامة أبقى إسرائيل من جديد بلا عاصمة معترف بها. تهديدات ترامب وسفيرته (نيكي هيلي) في الأمم المتحدة، ليس فقط لم تكن ذات فائدة، بل ألقت الإدارة الأميركية في حفرة ضيقة، يوجد فيها فقط مكان لمقاتلين: إسرائيل والولايات المتحدة».
وأضافت أنّ أهم التداعيات السلبية للقرار في الأمم المتحدة، أنه كان قراراً عالمياً على عدم الثقة بالرئيس الأميركي (دونالد ترامب)، وإسرائيل ستعاني من شظايا هذا التصويت في المرة المقبلة عندما تريد تجنيد المجتمع الدولي لأي جهد مشترك ضد إيران أو أي عدو آخر.