تؤكد الولايات المتحدة الأميركية يوماً بعد يوم مَلَكيتها أكثر من الملك بالنسبة إلى إسرائيل وداعميها، حتى لو أدى ذلك إلى «إحراج» حلفائها من دول «الاعتدال العربي»، لكن أولوية واشنطن هي تل أبيب. ولو أرادت الأخيرة حائط البراق (حائط المبكى وفق التسمية الإسرائيلية)، ترسل الإدارة الأميركية نائب الرئيس للوقوف أمام الحائط بصفته الرسمية، وتؤكد أنّه في أي اتفاق تسوية سيكون الحائط الغربي تحت السيادة الإسرائيلية.
وإذا أرادت تل أبيب ضم مستوطنات الضفة وبسط سيادتها عليها، تساعدها واشنطن في ذلك، بل تؤكد على لسان سفيرها في إسرائيل أن «المستوطنات لا تشكل عائقاً أمام عملية السلام».
ببساطة، كل ما تتمناه إسرائيل، فإن واشنطن مستعدة لتقديمه. هذه الحقيقة التي دوماً تتغاضى عنها دول «الاعتدال» العربي والسلطة الفلسطينية، لكنها صارت اليوم واقعاً ثقيلاً تحرجهم أمام شعوبهم. ورغم محاولاتهم رد بعض ماء وجوههم عبر مشاريع قوانين تقدم إلى مجلس الأمن الدولي تدين قرار الرئيس الأميركي دونالد ترامب، فإن بلاده تنتظرهم بحق النقض «الفيتو» الجاهز دائماً لمنع أي كان من اتخاذ أي خطوة ضد إسرائيل.
هكذا، لا تزال الصفعات الأميركية تتوالى واحدة تلو أخرى، فبعد اعتراف ترامب منذ أسبوعين بالقدس عاصمة للكيان الإسرائيلي، قال مسؤول في الإدارة الأميركية، الجمعة الماضية، إنه «لا يمكن تصور سيناريو لاتفاق سلام بين الإسرائيليين والفلسطينيين دون أن يكون الحائط الغربي (حائط البراق) في القدس تابعاً لإسرائيل». وأضاف ذلك المسؤول أن بلاده «ترى وجوب أن يبقى حائط المبكى تحت السيادة الإسرائيلية في أي تسوية للصراع مع الفلسطينيين».
بعد هاتين الصفعتين، قالت مصادر أميركية، كما نقلت صحيفة «إسرائيل اليوم»، أن «نائب الرئيس مايكل بنس، الذي سيصل إلى تل أبيب (ليل الثلاثاء ــ الأربعاء) سيقدم على خطوة عملية تكرّس اعتراف واشنطن بحائط المبكى كجزء من إسرائيل، بإعلان زيارته للمكان زيارة رسمية بصفته نائباً للرئيس». وقالت الصحيفة إن «خطوة بنس سابقة من نوعها، فالولايات المتحدة قالت (قبل ذلك) إن زيارة ترامب وأفراد عائلته للحائط خلال وجوده في إسرائيل (قبل شهور) كانت بمنزلة زيارة خاصة».
أما عن التقييم الأميركي لرد فعل الشعوب العربية والعالمية على الخطوات الاستفزازية، فذلك غير مهم، وفق سفير واشنطن لدى تل أبيب، ديفيد فريدمان، الذي قلّل في مقابلة أجرتها معه صحيفة «ميكور ريشون»، من أهمية الاحتجاجات العالمية على قرار ترامب، مشدّداً على أن «الإدارة الأميركية لن تتراجع عن موقفها بسبب التهديدات والاحتجاجات التي تفجرت في أعقاب الخطوة التي أقدم عليها ترامب».
ويتصرف الأميركيون بمقتضى أن ما يجري في فلسطين مجرد فورة غضب ستهدأ بعد أسابيع، وأن عملية التسوية مستمرة. وقال مسؤول كبير في الإدارة الأميركية إن مبعوث ترامب للسلام في الشرق الأوسط، جيسون غرينبلات، سيزور غداً تل أبيب «لإجراء محادثات متعلقة بمساعي السلام». وأوضح أن غرينبلات سيجتمع مع مبعوث الاتحاد الأوروبي الخاص إلى الشرق الأوسط، فرناندو جنتيليني، وسيبقى حتى زيارة مايك بنس. أما الأخير، فستشمل جولته في الشرق الأوسط مصر. وقال مسؤولون أميركيون إن بنس «سيناقش خلال زيارته اضطهاد المسيحيين وكذلك القرار بشأن القدس والتصدي لإيران وهزيمة تنظيم داعش ومكافحة الفكر المتطرف».

ترحيب إسرائيلي واستنكار فلسطيني

في اليوم التالي لوصوله الى تل أبيب، من المقرر أن يلتقي نائب الرئيس الأميركي رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو في مكتب الأخير في القدس، وأن يلقي كلمة في وقت لاحق من اليوم نفسه أمام الكنيست، حيث أعلن النواب العرب مقاطعتهم الكلمة «من أجل إيصال رسالة واضحة إلى الإدارة الأميركية وللعالم بأن هناك مواطنين هنا يعارضون بشدة إعلان ترامب»، قبل أن يتناول الغداء مع نتنياهو وزوجته سارة. ومن المقرر أن يزور بنس يوم الجمعة المقبل متحف «يد فاشيم» لتخليد ذكرى المحرقة، وكذلك رئيس الدولة رؤوفين ريفلين في مقر إقامته في المدينة المحتلة أيضاً.
وألغيت زيارة بنس للضفة المحتلة بعد إعلان السلطة الفلسطينية رفضها استقباله، كما أعلن ذلك في وقت سابق كل من شيخ الأزهر الإمام أحمد الطيب وبابا الكنيسة القبطية البطريرك تواضروس الثاني. وفي مقابلة مع صحيفة «تايمز أوف إسرائيل»، قال مستشار عباس للشؤون الدبلوماسية مجدي الخالدي، «لن يتم الاجتماع مع أي مسؤول من الإدارة الأميركية لمناقشة السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين، لأن رئيس السلطة كان واضحاً جداً في هذا الشأن»، كما أفاد بأن غرينبلات «لم يطلب الاجتماع بالفلسطينيين».
وبينما دعت حركة «فتح» إلى يوم غضب مع مجيء نائب الرئيس الأميركي، قالت «حماس» في بيان، إن هذه الزيارة «تأتي لفرض واقع جديد في القدس»، مشددة على أن «هذه الزيارة ستمثل تحدياً أمام شعبنا، وعلى الجميع شعبياً ورسمياً رفضها والوقوف في وجهها بشتى السبل».

دعت «فتح» إلى
يوم غضب، و«حماس» للتصدّي للزيارة
بكل الطرق

كذلك، قال مسؤول «حماس» في الخارج، ماهر صلاح، إن «اعتراف ترامب... لن يُغيّر شيئاً من حقائق الأمور، منبهاً إلى أن «من أشعل النار، عليه أن يتحمل لهيبها». وأضاف: «ما ترونه الشرارة الأولى، والنار قادمة لتحرقكم».
على صعيد ثانٍ، اجتمع أمس محمود عباس في العاصمة القطرية مع الأمير تميم بن حمد، قبيل عودة عباس إلى الضفة. ووفق البيان الرسمي، بحث الاجتماع «آخر التطورات المتعلقة بالقضية الفلسطينية»، فيما حضره عن الجانب الفلسطيني رئيس «هيئة الشؤون المدنية» حسين الشيخ، ورئيس الاستخبارات العامة اللواء ماجد فرج.

استعدادات أمنية ومواجهات مستمرة

على الصعيد الميداني، بدأت الأجهزة الأمنية الإسرائيلية الاستعداد لزيارة بنس، وذلك بعد دعوة «فتح» إلى «إغلاق الطرق الالتفافية في وجه المستوطنين الاثنين (اليوم) والخميس المقبل». وأعلنت الشرطة الإسرائيلية أن قائد منطقة القدس، يورام هليفي، سيتولى الإشراف على عمليات التأمين، وهو أمر نادر الحدوث، كما ستجهز الشرطة غرفة عمليات في فندق «الملك داود» حيث سيقيم بنس وزوجته.
في سياق متصل، أعلن العدو أن عناصر من «حرس الحدود» الإسرائيلية أوقفوا شاباً عند مدخل المحكمة العسكرية في الضفة بعد «الاشتباه بوجود قنبلة مربوطة بجسده». وقالت الشرطة إن «خبراء المتفجرات عملوا على تفكيك القنبلة المشبوهة، كما عثر على جسم مشبوه آخر في معطف المشتبه فيه... وهو من سكان مخيم جنين».
ميدانياً، يستمر اقتحام المستوطنين للمسجد الأقصى في ظل عيد «الأنوار» اليهودي، إذ اقتحم 91 مستوطناً المسجد من جهة باب المغاربة بحراسة مشددة من شرطة الاحتلال الخاصة. وفي الضفة، أصيب عشرات الطلبة والمواطنين بالاختناق في مواجهات أمس داخل ومحيط حرم جامعة فلسطين التقنية «خضوري» في طولكرم، شمال الضفة. كذلك، أصيب عدد من المواطنين في مواجهات في مخيم الفوار جنوب محافظة الخليل (جنوب).
أما في غزة، فأعلنت وزارة الصحة إصابة خمسة مواطنين برصاص جيش الاحتلال خلال مواجهات على أطراف شرق القطاع، منهم حالة خطيرة. ووفق الوزارة، وصلت الحصيلة في غزة حتى أمس إلى استشهاد ستة مواطنين وإصابة 535 آخرين بجروح، منهم سبعة بحالات خطيرة.
إلى ذلك، قالت وسائل إعلام إسرائيلية إن صفارات الإنذار دوّت في مجلس مستوطنات ساحل عسقلان، بعد إطلاق صواريخ من غزة.
(الأخبار)





«مواجهة» ديبلوماسية ضعيفة في مجلس الأمن

قدّمت مصر، بالنيابة عن السلطة الفلسطينية، مشروع قرار في مجلس الأمن الدولي يطالب بألّا يكون «لأي تغيير في وضع القدس أي مفعول قانوني، و(أنه) يجب إبطاله»، وذلك رداً على القرار الأميركي. وطرحت مصر مشروع القرار أول من أمس، فيما قال ديبلوماسيون إن المجلس يمكن أن يصوت عليه اعتباراً من الاثنين (اليوم).
ويؤكد مشروع القرار أن القدس قضية «يجب حلها عبر المفاوضات»، كذلك عبّر الطرح المصري «عن أسف شديد للقرارات الأخيرة بخصوص وضع القدس»، من دون ذكر إعلان ترامب تحديداً. ويشدّد المشروع على أن «أي قرارات وأعمال تبدو كأنها تغيّر طابع القدس أو وضعها أو تركيبتها السكانية ليس لها أي مفعول قانوني، وهي باطلة ويجب إلغاؤها»، في وقت أكد فيه ديبلوماسيون أن الولايات المتحدة ستستخدم حق النقض (الفيتو).
في المقابل، قال السفير الإسرائيلي في الأمم المتحدة، داني دانون، إنه «يدين بشدة» مشروع القرار، معتبراً أنه محاولة من «الفلسطينيين لإعادة اختراع التاريخ»، ومضيفاً أنه «ليس هناك أي تصويت أو نقاش يمكن أن يغيّر واقع أن القدس كانت وستظل عاصمة إسرائيل».
ويدعو مشروع القرار كل الدول إلى الامتناع عن فتح سفارات لها في القدس وعدم الاعتراف بأي إجراءات تخالف قرارات الأمم المتحدة حول وضع المدينة. وسعت السلطة إلى أن ينص مشروع القرار على الطلب مباشرة من الإدارة الأميركية التراجع عن قرارها، لكن بعض حلفاء الولايات المتحدة في مجلس الأمن، بينهم بريطانيا وفرنسا ومصر واليابان وأوكرانيا، تحفظوا عن إصدار نص قاسٍ جداً وأصروا على أن المسوَّدة المقترحة يجب أن تؤكد مجدداً الموقف الوارد في القرارات الموجودة أصلاً. ومن المتوقع أن تلجأ رام الله بدعم من الدول الإسلامية إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة لتبني قرار يرفض القرار الأميركي، إذا استخدمت الولايات المتحدة «الفيتو» في مجلس الأمن.
(الأخبار)