تونس | أثار «مشروع قانون المصالحة الاقتصادية والمالية» الذي بادرت رئاسة الجمهورية في تونس إلى طرحه، وصدّق عليه مجلس الوزراء، الأسبوع الماضي، جدلاً وتخوفات لناحية احتمالات ضرب مسار «العدالة الانتقالية». مشروع قانون المصالحة مع رجال الأعمال وموظفي الدولة المتورطين في الفساد المالي خلال حكم الرئيس الأسبق زين العابدين بن علي، وقبله الزعيم الحبيب بورقيبة، عرّفه الرئيس الباجي قائد السبسي، صاحب المبادرة، بكونه شاملاً لكل التونسيين الذين لم تتعلق بهم جرائم خطيرة أو أضرار للدولة، فيما يُفرض على من ثبت أنه استفاد من منصبه ومن المال العمومي إعادته مع إضافة نسبة 5 في المئة، تُوجّه إلى مشاريع تنموية داخل البلاد، وبذلك «تطوى صفحة الماضي» بصفة نهائية.
وفيما يرى مدير الديوان الرئاسي، رضا بلحاج، أنّ ذلك سيوفّر للدولة أموالاً مهمة، يعتقد قائد السبسي أنه لا فائدة من إلقاء المتورطين في السجون، والأنسب هو استرجاع الأموال، كذلك لا يمكن البلاد أن تنتظر خمسة أعوام أخرى إلى حين استكمال مسار «العدالة الانتقالية». أيضاً تؤكد مؤسسة الرئاسة أن بن علي وأسرته غير معنيين بقانون المصالحة لخضوعهم لقانون المصادرة، لكنه يشمل كبار المسؤولين في نظامه.

إفلات من العقاب

«هيئة الحقيقة والكرامة»، الموكول إليها دستورياً كل ما يتعلق بمسار العدالة الانتقالية، رفضت مشروع قانون المصالحة، على اعتبار أنه يفرّغ منظومة العدالة الانتقالية من محتواها، ويؤدي إلى التخلي عن أهم آلياتها في «كشف الحقيقة والمساءلة والتحكيم والمصالحة وإصلاح المؤسسات ويكرس الإفلات من العقاب»، كذلك احتجت على عدم استشارة رئاسة الجمهورية أياً من المؤسسات والهياكل القائمة ذات العلاقة بموضوع المصالحة، وبخاصة الهيئة نفسها.
انقسم المشهد السياسي في تونس بعد إعلان النسخة النهائية

وفي حديث إلى «الأخبار»، قال عضو «هيئة الحقيقة والكرامة»، محمد العيادي، إنّ «مشروع القانون مخالف لقانون العدالة الانتقالية وللدستور الجديد»، مشيراً إلى أنه سيمثل رسالة سلبية للمستثمرين ولكل الدول والمؤسسات المالية العالمية التي تشترط توافر مناخ ملائم خال من الفساد المالي والإداري. ولفت العيادي إلى أنّ التنصيص «على لجنة تكون الحكم بين المتضرر (الدولة) وطالب المصالحة، هو بمنزلة إنشاء لجنة موازية لتلك التي داخل هيئة الحقيقة والكرامة، فضلاً عن تنصيصه على أن عضوين من هيئة الحقيقة والكرامة سيكونان ضمنها، وهو أمر غير قانوني، باعتبار أننا ممنوعون من عضوية أي لجنة أخرى».
وأوضح، أيضاً، أن آلية التحكيم والمصالحة في قضايا الفساد المالي والجرائم الاقتصادية من مهمات لجنة التحكيم والمصالحة التابعة لـ«هيئة الحقيقة والكرامة»، وليس «لأي كان إنشاء لجنة موازية». ورأى أن مبادرة الرئيس التونسي تشمل أحكاماً لا تضمن حيادية لجنة التحكيم المقترحة، باعتبارها إدارية بحتة وتخضع لتبعية ثنائية للجهاز التنفيذي من حيث التركيبة والإشراف.
ويستند عضو «هيئة الحقيقة والكرامة» في وصفه لجنة التحكيم التي نص عليها مشروع القانون إلى واقع عدم الاستقلالية نظراً إلى تركيبتها، إذ ستتكون من ممثلين عن عدد من الوزارات في تونس، ما يجعلها ذات صبغة تنفيذية وتكون الدولة فيها الخصم والحكم، وذلك برغم الإشارة إلى وجود عضوين من هيئة الحقيقة والكرامة ضمنها.
وأنشئت «هيئة الحقيقة والكرامة» بموجب قانون العدالة الانتقالية الذي صدّق عليه «المجلس الوطني التأسيسي» في كانون الأول 2013، وحدد القانون مدة عمل الهيئة بأربع سنوات قابلة للتمديد سنةً ولمرة واحدة. وتتمثل مهمات الهيئة في «كشف حقيقة انتهاكات حقوق الإنسان خلال الفترة الممتدة من الأول من يوليو (تموز) 1955 (أي بعد نحو شهر على حصول تونس على استقلالها الذاتي من الاستعمار الفرنسي) حتى 31 كانون الأول 2013، ومساءلة ومحاسبة المسؤولين عن الانتهاكات وجبر ضرر الضحايا ورد الاعتبار لهم».
وانقسم المشهد السياسي في تونس بعد الإعلان عن النسخة النهائية لتفاصيل المصالحة الاقتصادية بين مساند لمشروع القانون ومعارض بشدة له، فـ«نداء تونس» (حزب الباجي قائد السبسي) يساند مشروع القانون بقوة، إضافة إلى حليفه في الحكم «الاتحاد الوطني الحر» (سليم الرياحي)، فيما لم توضح «حركة النهضة» موقفها بعد، وهي أكثر المعنيين بمسار العدالة الانتقالية باعتبار أن الإسلاميين من أكثر من تعرضوا للانتهاكات سابقاً، وترفض مجمل بقية مكونات الساحة السياسية مبادرة السبسي، بخاصة «الجبهة الشعبية» التي طالبت بسحبه، داعية التونسيين إلى التظاهر ضده.