في خضم المواجهة التي كانت مشتعلة بين «الحليفين اللدودَين» في صنعاء، خرج الرئيس السابق عبد ربه منصور هادي في بيان من الرياض، معلناً إطلاق حملة عسكرية باسم «صنعاء العروبة» لتحرير العاصمة اليمنية من «أنصار الله». عنوان الحملة وتوقيتها كانا مقتبسَين من الاداء الإعلامي للماكينة السعودية، وبهَدي أيضاً من بيان «التحالف» الذي تقوده الرياض، والذي حرص منذ اللحظة الأولى لاندلاع شرارة الأحداث في الحي السياسي في صنعاء على الاستثمار في الخلاف المتصاعد بين الرئيس الراحل علي عبدالله صالح و«أنصار الله».
في الرابع من الشهر الجاري، أعلن مصدر في الرئاسة اليمنية المقيمة في الرياض، أن هادي «أصدر توجيهات إلى نائبه الفريق علي محسن الأحمر، المتواجد في مأرب، بسرعة تقدّم الوحدات العسكرية للجيش الوطني والمقاومة الشعبية نحو العاصمة صنعاء». غير أن أيّ تقدّم على هذا الخط لم يُلحظ حتى الساعة. في المقابل، نشطت «المقاومة الجنوبية»، المدعومة من الإمارات، على خطّ الساحل الغربي لمدينة تعز، وأعلنت أنها، بمساندة قوات هادي، أعادت تنشيط عمليات «الرمح الذهبي» لتحرير مناطق الساحل الغربي، بعد أشهر من الركود. وبعد ساعات، أعلنت القوات المسلحة الإماراتية «تحرير مدينة الخوخة الساحلية التابعة لمحافظة الحديدة بالكامل من قبضة الحوثيين».

معارك الشريط الساحلي لا أثر مباشراً لها على صنعاء


الإعلان الإماراتي أثار حفيظة «مؤيدي الشرعية» في جنوب اليمن، الذين ساءهم «احتكار الإماراتيين وجماعتهم النصر، وطمسهم تضحيات الجيش الوطني». لكن «المجلس الانتقالي الجنوبي»، الإماراتيّ النشأة والدعم، يحرص على تظهير دور وزير الدفاع اليمني الأسبق هيثم قاسم طاهر، رجُل الإمارات القوي في «المقاومة الجنوبية»، الذي من خلاله تضع الإمارات ثقلها في معركة الشريط الساحلي، الذي يضم 3 موانئ في مناطقه السبع الأساسية، وهي على التوالي: المخا وميناؤها، الخوخة، الحديدة وميناؤها، الصليف وميناؤها، عبس، حرض، وميدي.
نجحت الميليشيات المدعومة من الإمارات في انتزاع السيطرة على المخا في شباط الماضي. انضمت المديرية التابعة إدارياً لمحافظة تعز إلى «الكانتون» الإماراتي الممتد في جنوب اليمن، بعد أن حوّلت أبو ظبي ميناءها، الذي يبعد نحو ستة كيلومترات فقط عن مضيق باب المندب، إلى ثكنة عسكرية، وأحاطته بسور ضخم.
عين الإمارات بعد المخا على الحديدة ومينائها والصليف ومينائها، مروراً بعبس وحرض، وصولاً إلى اللسان البحري في ميدي، حيث مشروع بناء الميناء فيها يتنظر الاستكمال. على أن موقع مديريّتَي حرض وميدي مهم أيضاً بالنسبة إلى السعودية، حيث تتصلان بها براً وبحراً، وترتبطان بمحافظات صعدة وحجة والحديدة.
أحداث صنعاء شكّلت وقود دفعٍ لمشروع «التحالف» في الشريط الساحلي، وبناءً على تداعياتها، تم تذخير «الرمح الذهبي» من جديد. منذ فجر الأربعاء، تدور معارك ضارية بين «أنصار الله» والقوات المهاجمة التي تضم «المقاومة الجنوبية» والقوات التابعة لحكومة هادي، حتى أُعلن أمس السيطرة على مديرية الخوخة الواقعة مباشرة بعد المخا.
مصادر جنوبية رأت أن السيطرة على الخوخة تكتسب أهميتها من كونها بوابة مدينة الحديدة، وتؤكد «استمرار عمليات الرمح الذهبي حتى تحرير مناطق الساحل الغربي وإحكام السيطرة على جميع الموانئ والمدن الساحلية». التفاؤل الجنوبي بمجريات المعارك في الخوخا يمتد إلى الحديث عن «العزم على إغلاق طريق تهريب الأسلحة من إيران إلى الانقلابيين الحوثيين، وتعزيز الملاحة الآمنة عبر باب المندب».
على المقلب الآخر، تنفي مصادر «أنصار الله» سقوط الخوخة بأيدي «مرتزقة العدوان»، وتتحدّث عن «عمليات كرّ وفرّ لم يُنتج منها سيطرة مرتزقة العدوان على المديرية». تضع المصادر محاولات التقدّم في الساحل الغربي في إطار «حاجة قوى العدوان لتغيير الوضع القائم، خصوصاً بعد خسارته آخر أوراقه عقب إجهاض المحاولة الانقلابية في صنعاء، التي قام بها الرئيس السابق علي عبدالله صالح وجماعته». وتتحدّث أيضاً عن «تجهيزات ستفاجئ قوى العدوان في الساعات المقبلة»، وترى أن «معركة الساحل ستكون آخر معاركنا معهم بعد سقوط صالح».
تعطي «أنصار الله» الأهمية القصوى لـ«تأمين الجبهة الداخلية وتعزيز حالة الصمود وإنشاء شراكة واسعة مع مختلف المكوّنات السياسية، من ضمنها التيارات الوطنية المناهضة للعدوان داخل حزب المؤتمر الشعبي العام»، لكنها تحذّر من أن «تداعيات معركة الساحل ستكرّس معادلة فك الحصار ووقف العدوان مقابل أمن الممرات المائية، ومنها مضيق باب المندب وكل عواصم العدوان».
المعارك الدائرة على الشريط الساحلي لا أثر مباشراً لها على العاصمة صنعاء، كجبهة مواجهة متقدّمة أمام زحف قوات «التحالف»، غير أن «أنصار الله» تحظى بنفوذ كبير في صفوف اثنتَين من أكبر قبائل طوق صنعاء (بني مطر والحَيمتين)، اللتين تُشرفان، من موقع جغرافي مرتفع، على خط الحديدة صنعاء، من جهة شرق الحديدة الواقعة على بُعد نحو 280 كلم عن العاصمة، ما يمنحها «خطوط دفاع» متقدّمة جداً.

الموانئ لمواجهة «غوادر»!

لا تنفصل جهود الإمارات العسكرية للسيطرة على موانئ اليمن وشريطه الساحلي عن جهودها في التفكير في تعزيز دور دبي الاقتصادي على مستوى العالم والمنطقة. اليوم، تشعر دبي بتهديد جدّي من مشروع ميناء غوادر في باكستان، الذي يُعدّ «مشروعاً مُغيِّراً لقواعد اللعبة، من شأنه أن يعيد صياغة الأجندة الاقتصادية للمنطقة بأسرها (...) ويهدّد التأثير الاستراتيجي لدبي في المنطقة»، بحسب مجموعة «أبون ديموكراسي» البحثية البريطانية. القلق الأكبر يكمن في أن
موقع «غوادر» الاستراتيجي يمنح الصين ووسط آسيا إمكانية الوصول إلى منطقة الخليج والشرق الأوسط، الأمر الذي يُشعل «الحرب الاقتصادية الباردة» بين الولايات المتحدة وحلفائها من جهة، و«الدول الناشئة»، على رأسها الصين، من جهة ثانية.
وإضافة إلى المخا ومينائها، تسيطر الإمارات على جزيرة ميون الواقعة بين اليمن وجيبوتي على مدخل مضيق باب المندب، وحوّلت قسماً كبيراً من أراضيها إلى مناطق عسكرية مغلقة، وعلى بلدة ذو باب، مركز مديرية باب المندب غرب محافظة تعز. كذلك فرضت سيطرتها على جزيرة سقطرى التي تتميز بموقع مهم كونها نقطة التقاء المحيط الهندي مع كل من بحر العرب مع باب المندب قبالة شاطئ المُكلا، وشواطئ الصومال، علماً بأن دبي تضم سبع مناطق صناعية، وثلاث مناطق حرة متخصّصة، وميناءين، ومطاراً دولياً رئيسياً، وقرية شحن وشبكة طرق سريعة حديثة، ومرافق اقتصادية وخدمية.