بعد أشهر من التنسيق واللقاءات غير المغطاة إعلامياً بين «وحدات حماية الشعب» الكردية ومسؤولين عسكريين روس، التقى الطرفان أمس في بلدة الصالحية شمالي دير الزور؛ للإعلان الرسمي عن تعاون سابق ولاحق بينهما. الاجتماع حضره نائب قائد القوات الروسية العاملة في سوريا، الجنرال أليكسي كيم، وكل من الناطق باسم «الوحدات» نوري محمود، والرئيس المشترك لـ«مجلس دير الزور المدني» غسان اليوسف.
وجاء في توقيت لافت، مع ارتفاع حدة التصريحات التركية مجدداً ضد الأكراد في عفرين، ومع الغموض حول الموقف الأميركي الفعلي تجاه الدعم العسكري المقدم لـ«قوات سوريا الديموقراطية»، والذي يتمحور حول تعديلات تراعي قرب انتهاء العمليات العسكرية ضد «داعش» في الشرق السوري. وتضمّن اللقاء كلمة مكتوبة للناطق باسم «الوحدات»، تشكر الدعم الروسي، كما دعم «التحالف الدولي»، العسكري واللوجستي في معارك ريف دير الزور، شرق الفرات. وتؤكد على أهمية قيام تعاون لاحق في مجال «تأسيس الحياة السلمية والبنى التحتية»، إلى جانب الاستعداد لإنشاء «غرف عمليات مشتركة ضد داعش».

كان لافتاً حضور علم «الوحدات» الكردية على حساب علم «قسد»

وكما يعكس الاجتماع تطور العلاقة التي تجمع الأكراد مع موسكو، من عفرين وحتى شرق دير الزور، فقد أتى تكريساً لبيان الرئيسين الأميركي دونالد ترامب؛ والروسي فلاديمير بوتين، الصادر من فييتنام منتصف الشهر الماضي، والذي أكد من ضمن ما أكده على تفاهم الطرفين حول «تعزيز قنوات التواصل العسكرية المفتوحة بين الخبراء العسكريين، لضمان سلامة القوات الروسية والأميركية ومنع تصادم القوات الشريكة التي تقاتل ضد (داعش)، وإكمال تلك الجهود حتى هزيمة التنظيم بالكامل». وظهرت بوادر التفاهمات الأميركية ــ الروسية في الشرق السوري، قبل أشهر من الآن، وتطورت خلال مراحل العمليات الميدانية في محيط وادي الفرات. وشابتها محاولات متعددة للالتفاف على روحها المتمثل في «منع التصادم»، كاتفاق إخراج عناصر «داعش» من الرقة وما جرى في محيط البوكمال. أما اليوم، ومع انتهاء المعارك الكبرى ضد «داعش»، أصبحت المهمة المتمثلة في تركيب البنى السياسية والإدارية ضمن مناطق سيطرة «قسد» التي تزخر بنسيج اجتماعي متنوع، تحدياً مشتركاً لكل من واشنطن وموسكو، وخاصة أن تلك البنى الجديدة ستكون أمام استحقاقات بحجم إعادة الإعمار، وربما المشاركة لاحقاً في مؤتمرات «التسوية السورية».
وفي كلمة الناطق باسم «الوحدات» نوري محمود، الذي التزم بتلاوة ما كتب بها من دون الإدلاء بأي تعليق إضافي، قال إن «الوحدات بالتعاون مع العشائر ومكونات المنطقة، ودعم ومساندة من القوات الروسية والتحالف الدولي حررت منطقة دير الزور شرقي الفرات من الإرهاب». وأعرب عن أمله بـ«زيادة هذا الدعم وتأمين الحماية الجوية والتغطية اللازمة». وترافق الاجتماع مع تصريحات متقاطعة أدلى بها قائد «الوحدات» الكردية، سيبان حمو لصحيفىة «الشرق الأوسط»، يتحدث فيها عن مشاركة القوات الروسية و«الوحدات» جنباً إلى جنب في المعارك ضد «داعش» شرق دير الزور.
وطالب البيان «القوى الدولية العاملة في سوريا، وعلى رأسها أميركا وروسيا، بأن تكون ضامنة للحلول السلمية والديموقراطية في سوريا المستقبل». وبالتوازي، نقلت مواقع كردية تصريحات للجنرال الروسي أليكسي كيم، قال فيها إنه سيتم إنشاء مركز لـ«غرﻓﺔ عمليات ﻤﺸﺘﺮﻛﺔ» بين قوات بلاده من جهة و«الوﺣﺪﺍﺕ» الكردية ﻭﺍﻟﻌﺸﺎﺋﺮ ﺍﻟﻌﺮﺑﻴﺔ، وذلك بهدف «اﺳﺘﻜﻤﺎﻝ ﺗﺤﺮﻳﺮ ﻣﺎ ﺗﺒﻘﻰ ﻣﻦ ﺷﻤﺎﻝ ﻧﻬﺮ ﺍﻟﻔﺮﺍﺕ ﻣﻦ ﺩﺍﻋﺶ». وأضاف أنه ﺑﻌﺪ القضاء على التظيم في ريف دير الزور «ﻳﺠﺐ ﺇﻋﺎﺩﺓ ﺍﻟﺤﻴﺎﺓ ﺇﻟﻰ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻤﻨﻄﻘﺔ»، مقترحاً تشكيل «ﺗﺠﻤﻊ ﻣﻦ ﻛﺎﻓﺔ ﺷﻴﻮﺥ ﻭﻋﺸﺎﺋﺮ ﻭﻣﻜﻮﻧﺎﺕ ﺍﻟﻤﻨﻄﻘﺔ ﺷﺮﻗﻲ ﺍﻟﻔﺮﺍﺕ، ﻟﻠﻌﻤﻞ ﻋﻠﻰ ﺇﻋﺎﺩﺓ ﺍﻟﺤﻴﺎﺓ إﻟى ﻤﻨﺎﻃﻘﻬﻢ... على أن يكون له ﻋﺪﺓ ﻓﺮﻭﻉ في ﺍﻟﺼﺎﻟﺤﻴﺔ ﻭﻫﺠﻴﻦ ﻭذيبان». وهو ما أردف ببيان من «مجلس دير الزور المدني» للترحيب بالتعاون مع الجانب الروسي «لتلبية احتياجات السكان، وخلق الاستقرار، وتقديم المساعدات الإنسانية، وإزالة الألغام». وكشف البيان عن «الاستعداد التام للتعاون وتطوير العملية الديموقراطية في سوريا، مع الرغبة في أن تكون روسيا ضامناً لهذا التعاون». ويعلّق على هذه التطورات، مستشار الرئاسة المشتركة لـ«حزب الاتحاد الديموقراطي» الكردي، سيهانوك ديبو، في حديث إلى «الأخبار» بالقول إن «ما حصل من الممكن أن يكون بداية موّفقة لمرحلة ما بعد داعش، وتوسيع التحالف الدولي القائم إلى تحالف أممي ضد الإرهاب، والتهيئة لحل سياسي للأزمة السورية».
الاجتماع الذي عقد في الشرق السوري، ينعكس بدوره على ما يجري في محيط عفرين، وخاصة أن المجتمعين رفعوا علمي روسيا و«الوحدات» الكردية خلال اللقاء، وسط غياب لافت لعلم «قسد»، الذي يحضر بقوة في المناسبات المشتركة مع «التحالف الدولي». وبينما يتطلع الأكراد إلى دور روسي واسع في منطقة عفرين، يقول ديبو، إن «هذا التحالف الأممي الجديد من المتوقع أن تتوسع مهماته إلى المناطق التي يجب أن تعود إلى حضن سوريا، كما في إدلب، وخاصة مع وجود مناطق محتلة من قبل النظام التركي»، لافتاً إلى أن هذه «مرحلة جديدة تتضمن تحالفات جديدة». ومن المتوقع أن يستفيد الجانب الروسي من هذا التنسيق العالي المستوى مع الأكراد في الشرق السوري، لتحسين فرص أي محادثات مقبلة بينهم وبين دمشق، في الوصول إلى مخرجات تلبي طموحات الطرفين. وهو ما يهدف إليه الروس منذ الإعلان عن «تهدئة الحسكة» في آب 2016، والتي جاءت بعد مناوشات بين الجيش و«الوحدات».