غزة | 311 يوماً مغلقاً مقابل 17 يوماً مفتوحاً، هذا الإحصاء هو عن معبر رفح، الواقع على الحدود بين غزة ومصر، منذ بداية العام الجاري. صحيح أنها 17 يوماً فقط، في معدلٍ هو الأدنى بين السنوات الثلاث الماضية، لكنها كانت كفيلة لتوصف بالدجاجة التي تبيض ذهباً، في جيب الضباط المصريين.
فمنذ سقوط حكم «الإخوان المسلمون» في مصر، والرشى على المعبر تتزايد كمّاً ونوعاً، إلى أن صارت أسلوباً رسمياً للخروج من قطاع غزة. وحتى مع عمل المعبر (جزئياً) الأسبوع الماضي للمرة الأولى منذ عشر سنوات بإدارة السلطة الفلسطينية في رام الله، بدلاً من حركة «حماس»، بقي المشهد هو نفسه: نصف المسموح بعبورهم هم من الحالات الإنسانية (مرضى وطلاب وعالقون وجنسيات أجنبية)، والنصف الآخر أصحاب «التنسيقات»، الذين يدفع واحدهم 2500 ــ 3500 دولار أميركي ليضمن «مقعداً» في حافلة تحوي 120 مسافراً على كراسيها الخمسين!
يقول مصدر أمني فلسطيني إنه في أيلول 2013 كانت بدايات الفتح الجزئي لمعبر رفح بعدما شهد عام 2012 فتحه بصورة كلية. كانت ثلاثة أيام فقط بعد إغلاقه لأكثر من شهرين، ومعدل العمل يومياً أربع ساعات. في تلك الأيام، طلبت السلطات المصرية من إدارة المعبر («حماس») إدراج عدد من الأسماء لإدخالهم قبل الكشوف التي سجلتها وزارة الداخلية في غزة، وإن لم يدخل هؤلاء أولاً، فلن يسمح لأحد بالعبور.
يوماً بعد يوم صارت قضية «التنسيقات» ظاهرة علنية وإلزامية، علماً بأن غالبية الغزيين مجبرون على استعمال معبر رفح، لأن المعبر الآخر الخاص بالأفراد (حاجز بيت حانون ــ إيريز مع فلسطين المحتلة الذي عمل هذه السنة لـ269 يوماً مقابل 59 يوماً إغلاق) لا يمرّ به إلا من لا ترى فيهم الأجهزة الأمنية الإسرائيلية خطراً عليها.

حقق الضباط المصريون
39 مليون جنيه في الفتح
الأخير للمعبر فقط

يكمل المصدر الأمني أن «الداخلية كانت خلال السنوات الماضية تسجل المسافرين وتضع أسماءهم في كشوف، وتتعامل بنظام الدور والحاجة الملحة، فيما كان الجانب المصري يرفض استقبال أي حافلة فلسطينية قبل إدخال أسماء فلسطينيين ترسل في كشوف خاصة مكتوبة بخط اليد ولا تحمل ترويسة للداخلية المصرية أو أي جهة رسمية هناك»، وذلك إلى جانب حصص مسافرين كانت توزعها «حماس» على الوزارات الخاصة بها والفصائل الأخرى.
ووفق قوله، حاولت «الداخلية» في غزة مواجهة الكشوف المصرية ورفض تسفيرهم في البداية، لكن ذلك «أدى إلى تأخير الجانب المصري العمل في المعبر لساعات طويلة دون السماح بمرور أي فلسطيني عبر التحجج المتكرر بتعطل الحواسيب على المعبر».
ويستدرك: «مع زيادة الضغط وحاجة المواطنين إلى السفر، اضطرت الوزارة إلى قبول ما يطلبه الضباط المصريون». وعن استفادة «حماس» من المبلغ المالي المقدم (تطوّر من 300 دولار إلى 3 آلاف خلال السنوات الثلاث الماضية)، مناصفة، كما تقول مصادر أمنية مصرية، نفى المصدر ذلك، لكنه لم يدَّعِ أن بعض العاملين يمكن أن يكون قد نسّق مع المصريين واستفاد منهم.
ومع كل فتح جزئي للمعبر في سنتي 2015 و2016 صار يزداد عدد الأسماء التي يرسلها الضباط المصريون إلى حدّ أنه تخصص لهم حالياً نصف الحصة اليومية (4 حافلات تقريباً). ووفق المصدر الأمني نفسه، كانت داخلية «حماس» قد توصلت إلى تفاهم مع الجانب المصري على إدخال حافلة تنسيقات تليها ثلاث حافلات أو اثنتان من الكشوف الرسمية، على أن يسلم كشف التنسيقات في وقت أبكر.
ووفق معلومات رسمية حصلت عليها «الأخبار»، وصل عدد المسافرين بواسطة التنسيقات المصرية منذ إطاحة حكم محمد مرسي عام 2013 إلى أكثر من 2500 مسافر، أي نحو 30% من إجمالي الخارجين من المعبر. لكن مع تسلّم السلطة الفلسطينية ممثلة بحكومة «الوفاق الوطني» معبر رفح مطلع تشرين الثاني الجاري ارتفع العدد إلى 740 اسماً على بند التنسيقات مروا أيام السبت والأحد والاثنين من الأسبوع الماضي.
أحد أصحاب مكاتب السفر والسياحة في غزة (م. ل.)، وهو من أبرز الشخصيات التي تنسق مع الضباط المصريين، أفاد بأن المدفوعات للتنسيق في عامي 2014 و2015 كانت قليلة بسبب قلة الطلب، إذ كان التنسيق يكلف ما بين 800 إلى 1800 دولار. أما الذين كانوا مطلوبين (أو ممنوعين من السفر) وفق قوائم السلطات المصرية، فيذكر أن تنسيقهم يكلف نحو خمسة آلاف دولار، إذ تُزال أسماؤهم من قوائم المنع من (مطار) القاهرة وليس من رفح فقط.
أما خلال 2016، وجراء تواصل إغلاق معبر رفح لمدد طويلة، زاد عدد الفلسطينيين الذين يرغبون في إجراء تنسيق لهم ليصل إلى المئات، وزادت التكلفة إلى حدود 2500 ــ 3000 دولار (نحو 53 ألف جنيه مصري). كذلك أوضح أن للتنسيق ثلاث جهات رسمية: ضباط يتبعون للمخابرات العامة، وآخرون يتبعون للمخابرات الحربية، وكذلك من يتبعون لأمن الدولة.
ووفق مصادر رسمية فلسطينية راقبت سير المعبر لأول مرة في عهد السلطة، بلغت حجم المبالغ التي جمعها الضباط المصريون خلال الفتح الجزئي الأخير قرابة 39 مليون جنيه مصري، ما يعادل مليوني و200 ألف دولار.
وعن آلية التنسيق، يقول صاحب المكتب إن العملية بسيطة جداً، إذ ترسل أسماء المسافرين إلى الضباط بالهواتف النقالة، ثم ترسل في كشف بخط اليد أو مطبوح إلى الجانب الفلسطيني ليلة فتح المعبر أو في الصباح الباكر. ويتسلم المسافر بالتنسيق من صاحب المكتب وصلاً بالمبلغ دون إيضاح ماهية الصرف فيه، فيما يتعهد الأخير إعادة المبلغ إذا لم ينجح التنسيق ويخرج المسافر.
أما بشأن آلية إرسال الأموال إلى الضباط في مصر، فثمة طريقتان: الأولى عبر صرافين من غزة، والثانية عبر حوالات «ويسترن يونيون».
ووفق مصادر أمنية في غزة، رصدت عشرة مكاتب في القطاع تعمل في التنسيق للسفر عبر معبر رفح، وتتقاضى نسبة تراوح ما بين 5 ــ 10% من قيمة ما يدفعه كل مسافر. وطبقاً للأرقام الرسمية، غادر غزة الأسبوع الماضي 1450 مسافراً (من ضمنهم 740 تنسيقيات مصرية) منهم 200 يحملون الجوازات المصرية، فيما لم يصل عدد الحالات الإنسانية إلا إلى 510 (35% فقط)، وهو ما أثار جدلاً كبيراً في غزة، خاصة في ظل استمرار إغلاق المعبر، مع الاستهجان من تواصل التنسيقات رغم تبدل السلطات التي تعمل، وذلك على نسق المثل الشعبي: كإنك يا بو زيد ما غزيت!




المصالحة تعود إلى مربّع «الردح»

يوماً بعد يوم تتكشف نقاط الضعف في اتفاق المصالحة الفلسطينية الذي أجري بضغط مصري، تلته تهديدات أميركية وسعودية وتخلٍّ قطري. فبعد أسبوعين على استدعاء السعودية رئيس السلطة، محمود عباس، وعقب أيام على انتهاء الحوارات في القاهرة (راجع العدد ٣٣٣٢ في ٢٤ تشرين الثاني)، عاد أسلوب التصريح والتصريح المضاد بين حركتي «فتح» و«حماس». فبينما قال المتحدث باسم «فتح»، جمال نزال، إنه «بات مطلوباً من حماس تكييف لغتها مع متطلبات المصالحة»، رافضاً ما سماه «ثلاثية الإساءات» التي وجهتها الحركة إلى قادة في «فتح»، قال القيادي في «حماس»، يحيى موسى، أمس، إن تصريحات عضو «مركزية فتح»، حسين الشيخ، التي ربط فيها رفع العقوبات والمصالحة بالتمكين «الحقيقي ومناقشة سلاح المقاومة» هي تصريحات «وقحة». أما القيادي الحمساوي محمود الزهار، فقال إنهم لا يثقون بـ«فتح»، وإن لحركته خيارات إذا لم تصرف رواتب موظفي غزة هذا الشهر.
(الأخبار)