ككثير من السيدات اللواتي اضطرتهن الأزمة للجوء إلى الجمعيات الخيرية لسد بعض من احتياجات عائلاتهن، تقصد وفاء شهرياً مقر إحدى الجمعيات الخيرية وسط العاصمة دمشق للحصول على حصة عائلتها الغذائية، لكن ذلك يكلفها عناء ساعة من المشي للوصول إلى مقر الجمعية، وأكثر من ساعة حتى يحين دورها في طابور الانتظار. تعلق وفاء على خدمات الجمعية بعبارة مقتضبة: «ما عم بيقصروا... الحمد لله».
تحول عمل الجمعيات الخيرية في سنوات الحرب من عمل أهلي روتيني ضمن نطاق الحي الواحد أو أبعد بقليل إلى إغاثي طارئ وسريع قد يتسع ليصل إلى محافظات أخرى، فجمعية «حفظ النعمة»، وهي من أشهر الجمعيات على مستوى دمشق وبدأت عملها منذ عام 2009، وصل عدد العائلات التي تقدم لها اليوم المساعدة بشكل دوري (شهرياً) إلى حوالى 43 ألف عائلة، بعدما كان هذا العدد في عام 2010 حوالى 7500 عائلة، وذلك حسب مسؤول العلاقات العامة في الجمعية مأمون قويدر. ويضيف: «قبل الأزمة، كان تركيز الجمعية على الأسر الفقيرة والتي كنا نبحث عنها في الأحياء القريبة ضمن المدينة ونذهب إليها لتقديم المساعدات لها كل شهر، أما اليوم فقد بات التركيز على الأسر المهجرة والمتضررة من الحرب التي علينا مساعدتها بشكل فوري لتأمين احتياجاتها الطارئة. وبسبب كثرة عدد هؤلاء المحتاجين، فالجمعية لم تعد قادرة على الذهاب إلى كلٍ منهم بل تفتح أبوابها لهم مع تزايد عددهم يوماً بعد يوم». المبدأ الذي تقوم عليها جمعية «حفظ النعمة» هو الحصول على فائض النعم لدى من يرغب في التبرع بها، وتقديمها للمحتاجين لها، من غذاء وألبسة ودواء. إلا أنه مع زيادة عدد المستفيدين، أصبح الاعتماد على مساعدات برنامج الغذاء العالمي، إلى جانب التبرعات الأهلية التي لم تنقطع رغم كل الظروف الاقتصادية التي حلّت. نشاطات الجمعية لم تتوقف عند هذا الحدّ، بل قامت بتسيير قوافل غذائية وحاجات ضرورية إلى أهالي المناطق المنكوبة بفعل الحرب في محافظات أخرى.
بعض الجمعيات الخيرية خرجت من السباق أو احتُفظ بمكانٍ لها في مؤخرة ركب المساعدات المطروحة، فلم يساعدها كادرها وإمكاناتها البسيطة على الدخول في مجال العمل الإغاثي، فاقتصر عملها على ما كان عليه سابقاً ضمن نطاق الحي فقط مع زيادة عدد المستفيدين منها وفقاً لزيادة عدد المتضررين في جميع أنحاء مدينة دمشق.
كذلك، تتكاتف نحو 7 جمعيات مشهود لها بالعمل الأهلي المميز في دمشق وريفها، مشكلة مبادرة «أهل الشام» لتقديم أكبر قدر من المساعدة للمحتاجين. وانطلقت منذ عام 2012 وباتت مظلة لـ 60 جمعية خيرية تتضافر لتقديم المساعدة لـ 17 ألف أسرة ضمن مقرها وسط العاصمة، و30 ألف أسرة أخرى من خلال مراكز الجمعيات المنتشرة في دمشق وريفها. ويقول مدير «المبادرة» أسامة الخطيب: «نعمل على مواكبة أي نزوح مفاجئ للأهالي لتلبية حاجاتهم الضرورية من المواد الغذائية والعينية، بالإضافة إلى إنشاء مشاريع تنموية في المناطق الريفية بالتعاون مع المنظمات الأهلية لتأمين فرص عمل، إلى جانب إقامة العديد من الدورات التدريبية والتأهيلية لتعليم بعض المهن مع تأمين الأدوات اللازمة لفتح سبل معيشة منها. كما قامت المبادرة بإنشاء بنك عمال لجميع الوظائف من ضمن الأسر المستفيدة لتأمين فرص عمل لهم من خلال الاتصال مع الجهات الحكومية والخاصة والأهلية وما تحتاج إليه من عمال».
يشار إلى أن «مبادرة أهل الشام»، التي تعتبر حالياً أكبر مؤسسة خيرية في سوريا، قامت خلال شهر رمضان بإطعام 30 ألف صائم يومياً ضمن حملة «لقمتنا سوا»، حيث تمّ طبخ وجبات ساخنة ضمن 12 مطبخاً وتوزيعها في وقت الإفطار على العائلات المهجرة ضمن مراكز الإيواء بشكل خاص.
وبحسب مدير مكتب وزيرة الشؤون الاجتماعية والعمل، أحمد شهاب، فإن عدد الجمعيات الخيرية في سوريا عام 2010 كان نحو 1461، 509 منها في دمشق، واليوم أصبح هذا العدد 1440 جمعية، 520 منها في دمشق. ويبيّن شهاب أنه بعد اتساع نطاق عمل الجمعيات الخيرية ودخولها في عدة مجالات، «قامت وزارة الإدارة المحلية بتصميم برنامج تشبيك بين أغلب الجمعيات لنقل وتبادل المعلومات حتى يتم ضبط عدد الأفراد المستفيدين لدى كل جهة وفتح المجال لوصول الفائدة إلى أكبر عدد ممكن من الناس».