■ مع اقتراب بغداد من إعلانها «النصر الكبير» على تنظيم «داعش»، كيف ترون المرحلة المقبلة على الصعيدين الميداني والسياسي؟على المستوى الميداني، سيحتفظ «داعش» بخلاياه النائمة. القضاء عليها يتطلب عملاً أمنياً مُوسّعاً ومكثّفاً؛ أما الفكر الذي رسّخه التنظيم في مناطق سيطرته، فنحتاج إلى ثورةٍ وحركةٍ ثقافية واجتماعية كبيرة لتنظيف العقول الملوّثة بسببه.

على المستوى السياسي، خريطة التحالفات قد تغيّرت. كل يومٍ نلاحظ تغيّراً جديداً حتى بات صعباً تخمينها. ومع اقتراب الانتخابات، ستتحالف القوى التي شاركت في تشكيل «الحشد الشعبي»، والتي تمثّلها فصائل المقاومة، وسيكون لها دور أساسي ومهم في المستقبل السياسي للعراق.

■ بعض فصائل المقاومة تتحدث عن عودتها إلى العمل المسلح ضد الأميركيين في المرحلة المقبلة، هل صحيحٌ ذلك؟
نعم. نحن في فصائل المقاومة وظيفتنا الأساسية وأحد أهدافنا منع أي احتلال للعراق. المقاومة الإسلامية تشكّلت مع بداية الاحتلال الأميركي (2003). لذلك، أي وجود عسكريٍّ أميركيٍّ في البلاد وظيفة المقاومة استهدافه ومنعه من البقاء، وتحديداً الوجود غير الديبلوماسي.

■ رفضت «حركة النجباء» خوض الغمار الانتخابي، هل سبب ذلك تجنّبكم أن تكونوا جزءاً من العملية السياسية أو من الفساد السياسي؟
«النجباء» لن تشارك في الانتخابات المقبلة لأسبابٍ عدة. هذا قرارٌ سياسي لكنه ليس من منطلق رفض التدخل في العملية السياسية. نحن نتدخّل فيها، ولنا خطاب ومواقف واضحة أيضاً، لكن أولويّتنا الآن هي الشعب العراقي.
نؤكّد ضرورة مشاركة الشعب في الانتخابات بفعاليّة، ونعتقد بوجود شخصيات نزيهة. وعندما نُسأل من ننتخب، سنحدّد الجهات والقوائم التي نعتقد أنها نزيهة وتمثّل طموح الشعب والإصلاح والقضاء على الفساد، والمقاومة وفكرها.
أما أسباب رفضنا المشاركة: أوّلاً إيماننا بتبادل الأدوار، فلا يجب أن يخوض الجميع غمار العملية السياسية ثم نترك المجتمع بوضعه وتفاصيله، خصوصاً أننا ننتقل في مقاومتنا إلى الميدان الثقافي لترسيخ قاعدة مقاوِمة داخل المجتمع.
ثانياً، سنركّز على العمل الأمني لأن «داعش» له خلايا نائمة. قواتنا الموجودة في «الحشد» ستبقى ضمنه وضمن مؤسسات الدولة، وسيكون طريقنا في هذه الصورة. ذهبنا من الشعب إلى ساحات الجهاد لأنّ من كان يقف خلفنا هو الشعب، وسنعود من ساحات الجهاد إلى الشعب لننقل التجربة، ونعيد بناء الوعي وندعو إلى التعايش.
ثالثاً، على الصعيد الاجتماعي، علينا أن نساعد المجتمع ونرفع مستواه بالاستفادة من مؤسساتنا والمؤسسات الأخرى في المناطق الجنوبية، وفي المناطق التي كانت تحت احتلال «داعش».


■ كيف تفسّرون منع رئيس الوزراء حيدر العبادي الفصائل المسلّحة و«الحشد» من المشاركة في الانتخابات؟
أولاً، تصريحات السيد العبادي اعتيادية وطبيعية. ثانياً، جماعة «الحشد» (أي المؤسسة العسكرية ككل، وليس الفصائل) لن يشاركوا في الانتخابات. مثلاً، «حزب الدعوة» اليوم، حزب السيد العبادي، لديه جناح داخل «الحشد» بمسمى «قوات الشهيد الصدر»، وأيُّ واحدٍ منهم يريد المشاركة في الانتخابات لا بد أن يستقيل من «الحشد». الأمر يسري أيضاً على الأجهزة العسكرية والأمنية. هذه الضابطة أُقرّت في النظام، ويكفلها الدستور العراقي: استقالة فمشاركة.
أما الفصائل، فلا تملك جناحاً مسلحاً داخل البلاد. قواتنا في العراق هي «الحشد»، وقواتنا خارج العراق لا دخل للحكومة بها. هم مجموعة من المسافرين الذين يذهبون بصورة طبيعية ورسمية، يذهبون زواراً إلى سوريا وأسلحتهم وتجهيزهم هناك، ولا شأن للحكومة العراقية بهم.
■ في ما يتعلّق بالأزمة الكردية الأخيرة، كيف ترون انعكاساتها وتداعياتها؟
فشل مشروع مسعود البرزاني وانكسر. حماقته جعلته يستعجل... حتى الآن وداخل حزبه أبدى كثيرون انزعاجهم وتذمرهم، لأنه تصرّف بعقلية عشائرية، وضيّع مشروع دولتهم.
عقليّة البرزاني عشائرية بعيدة عن السياسة والإدارة والقيادة الحقيقية. آل البرزاني على مرّ التاريخ أدخلوا شعبنا الكردي في معارك ومشكلات كثيرة. تحالفوا مع (الرئيس الأسبق) صدّام (حسين) ضد الأكراد، في الوقت الذي كان فيه صدّام يقمع شعبنا ويقمع الكرد. هذه العائلة ــ لها أيضاً ــ علاقات واسعة وكبيرة مع الكيان الصهيوني.
هدف البرزاني إضعاف العراق وإنهاكه، وفصل رقعةٍ جغرافية عبر تمدّد قواته واحتلالها كركوك وبعض المناطق الأخرى، حتى إعلان دولته المزعومة، التي ستكون إسرائيل الثانية في المنطقة. هو (البرزاني) سليلٌ من سلالات الغدر والخيانة، ويحاول أن يُثبّت مشروع فصل الإقليم، مجزّئاً المُجزّأ، ومقسّماً العراق وفق المشروع الأميركي الجديد... الأميركيون هنا تماشوا معه باعتبارهم أصحاب ذلك المشروع.
من أسباب استعجال البرزاني في إجراء الاستفتاء، تحرير قواتنا للحويجة. في المقابل، موقف بغداد لا بدّ أن يُحسم بسرعة ووضوح. الحكومة العراقية، والشعب ــ بشقيه العربي والكردي ــ والقوميات الأخرى كافة تحمّلوا المسؤولية، إضافةً إلى «الحشد الشعبي» والجيش والقوات الأمنية. واتُّخذ القرار بحسم النزاع في شمال البلاد سياسياً أو عسكرياً.
تدخل الجمهورية الإسلامية في هذا الموضوع، ووجود الحاج قاسم سليماني في هذا الخصوص، وحواره مع جميع الأطراف من أجل السير بالحلّ السلمي، حقّقت إنجازاً مهمّاً في إيجاد حلٍّ سلميٍّ يمنع إراقة الدماء ويحفظ أبناء شعبنا العراقي بقومياته.
حينما دخلت قواتنا إلى كركوك أو المناطق المتنازع عليها، ساعدتنا القوات الوطنية من «البشمركة» وسيطرنا عليها بسلام، في وقتٍ عمدت فيه قوات مسعود إلى استهداف «البشمركة» والقوات العراقية. مسعود البرزاني بخيانته وتبعيّته لإسرائيل وأميركا يرسّخ ثقافة بُغض العرب، مؤكّداً أن عدوّ الأكراد هم العرب، وأن إسرائيل هي الصديقة.

■ ما تفسيركم للانفتاح السعودي المستجد على العراق؟
نلاحظ أن غالبية الشخصيات التي أُرسلت للعمل في العراق هي شخصيات دُرّبت داخل المخابرات الأميركية، وعملت في أميركا، سواءً أكان عملها ديبلوماسياً أم مخابراتياً. (السفير السعودي السابق ثامر) السبهان هو نموذج.

وظيفتنا ووظيفة
المقاومة استهداف أيّ
وجود عسكريٍّ أميركيٍّ، وأيّ قتال ضد إسرائيل نشارك فيه

كل الشخصيات التي ركّزت على الملف العراقي شخصيات أميركية مخابراتية واجهتها سعودية، في محاولة لإيجاد مقبوليةٍ داخل العراق، لأنّ الأميركيين لا يستطيعون تنفيذ مشاريعهم بأنفسهم. خروج السبهان من البلد لا يعني انتهاء مشروعه، بل هو مستمر، والسفير الجديد يُديره السبهان أصلاً، لأنه بلا حول ولا قوة، بل هو واجهة.
الأميركيون يشغّلون دولة كاملة كالسعودية لخدمتهم، وذلك لترسيخ فكرة واحدة يدفعون عليها أموالاً كثيرة وهي تعزيز مفهوم الوطنية... بالعداء لإيران والولاء للسعودية وأميركا. باعتقادي المطلوب هو تجزئة وتقسيم محور المقاومة.

■ شكّلتم سابقاً «لواء تحرير الجولان» لمقاومة الاحتلال الإسرائيلي. إذا وقعت «المواجهة الكبرى» مع إسرائيل، فهل نرى «النجباء» تُقاتل إلى جانب حزب الله في لبنان أو الجنوب السوري؟
عندما أعلنّا «لواء تحرير الجولان»، فقد شكّلناه فعلاً، وهو موجود الآن، ويقاتل المجاميع التكفيرية التي تخوض حرباً بالنيابة عن الكيان الصهيوني. وعندما أعلنّاه، حدّدنا نقاطاً وذكرنا أنّه سيكون جاهزاً إذا طلبت الحكومة السورية أن يشارك الجيش العربي السوري في تحرير الجولان.
أما مشاركتنا في أي معركة ضد الكيان، سواء أكانت في لبنان أم سوريا، فإنني أعتقد أن الخطاب الأخير للسيد حسن نصر الله كان صريحاً: في المرحلة المقبلة لن يكون حزب الله هو من يقاتل إسرائيل فقط، إنما جميع فصائل المقاومة في العالم، ومن المؤكّد أن «النجباء» ضمنها.




«أجندة الرياض»

يؤكّد الكعبي، في حواره مع «الأخبار»، أن الأهداف الأميركية في العراق ينفذها السعوديون، وقد باتت «أجندتهم» واضحة، وترجمها مباشرةً السفير السابق ثامر السبهان باعتباره «شخصية مخابراتية ــ أمنية». أخطأ الأخير بـ«فضح» مشروعه، إذ عمل في الساحة بأسلوب مخابراتي علني. لذلك، عند وصوله إلى بغداد بدأ نشاطاته بطريقةٍ «وقحة»، حتى القوى السياسية التي تطالب بعلاقة مع السعودية رفضته، بتعبير الكعبي، الذي أشار إلى أن من ضمن مشاريعه «إقامة شركات اقتصادية ومراكز ثقافية» جنوبي العراق وشماليه، مقدّماً دعماً مالياً ضخماً إلى رؤساء العشائر والوجهاء، إذ دعا إلى إجراء إصلاحاتٍ زراعية، منادياً بحراك اقتصادي ــ ثقافي لتغيير اتجاه «الثقافة العراقية».




حلفاء أميركا... «مشاريع»

يستند الكعبي في حديثه إلى آخر بيانات رئيس إقليم كردستان، مسعود البرزاني، الذي نعى فيه «دولته المزعومة ومشروعه». تعجّب البرزاني من الموقف الأميركي، وعبّر عن ذلك علناً، وهي «رسالة لمن غرّرت بهم أميركا» يقول الكعبي، محدّثاً «الأخبار» عن رؤية واشنطن إلى حلفائها في «العراق والشام».
يعرّج قائد «النجباء» إلى سوريا، وتحديداً إلى شرقيها، حيث تعمل «قوات سوريا الديموقراطية». يلفت الكعبي إلى أن «أميركا لا حلفاء لها... صدام (حسين) كان حليفها الأول في الشرق الأوسط، وبعدها هي من أسقطت نظامه، وحلفاء أميركا في الدول العربية أسقطت أنظمتهم»، فـ«الربيع العربي غيّر المشروع الأميركي، إذ تتعامل واشنطن مع مشاريع لا مع أصدقاء».
اليوم، تعاملت أميركا مع البرزاني وفق مشروع ينفذه، «وحين لم يستطع تنفيذه، رفعت غطاءها عنه، واتخذت موقفاً آخر». أما موقفهم مع «قوات سوريا الديموقراطية»، فسيتضح مع انتهاء المشروع: «يتركونهم يحترقون بما يحترقون به، وينفذون بهم مشروعهم... وعندما ينتهون، سيتركونهم، ويتخلون عنهم كما تخلوا عن مسعود، وعن كثير من حلفائهم في المنطقة».