قبل أيام، أفرجت السلطات الأردنية عن نائب المراقب العام لـ«جماعة الإخوان المسلمين»، زكي بني ارشيد، بعد قضائه عقوبة بالسجن لمدة عام ونصف، بسبب إدانته بالإساءة إلى علاقة الأردن بدولة الإمارات في منشور على «فايسبوك». لكن الإفراج عن بني ارشيد جاء بعدما مرت الجماعة بتحولات كثيرة إن لم تهدد وجودها، فإنها حولتها من دوائر الفعل ورد الفعل، إلى حالة من الجمود.
قبيل الإفراج عن نائب الجماعة التي تعاني أزمة «جمعية الإخوان» المرخصة حكومياً، قدم مئات من القيادات الإخوانية استقالاتهم من حزب «جبهة العمل الإسلامي»، الذراع السياسية للتنظيم في الأردن، وأطلقوا على أنفسهم اسم «مبادرة الشراكة والإنقاذ». وقال هؤلاء في بيان، أمس، إن الاستقالات جاءت بعد حوارات معمقة مع قيادة الجماعة، وعلى مدى سنوات، مضيفين: «فعلنا ذلك بعدما وصلنا إلى قناعة بأنه لا تتوافر الإرادة لتحقيق الشراكة على قاعدة الكفاءة والمسؤولية».
لكن بيان النواب المستقيلين أكد تمسكهم بعضوية الجماعة، برغم أن عدد استقالاتهم بلغ 400، ومن بينهم أعضاء في الهيئة التأسيسية للحزب، وممن تسلموا مواقع متقدمة في المكاتب التنفيذية المتعاقبة ومجلس الشورى والهيئات الإدارية والقضائية واللجان المركزية. وحمل البيان تلميحاً إلى إمكانية إنشاء حزب جديد (سيكون التفسخ الرابع في صفوف الجماعة)، بإشارته إلى أن إنشاء أي إطار جديد عند توافر الظروف المواتية «لن يكون بمعزل عن مشاركة هذه الكفاءات».
ينتظر الجماعة تشكيل سياسي رابع جديد بعد الاستقالات الأخيرة

في المقابل، رأى بني ارشيد، في حوار مع «وكالة الأنباء الألمانية»، أن ما جرى من قلاقل داخل الجماعة خلال العامين الماضيين «ليست الأولى التى يتعرض لها الإخوان»، ولكنه وصفها بأنها «الأقسى». وأضاف: «لسنا إلا إحدى الحركات الوطنية الأردنية، ولكننا نشهد اليوم حالة استهداف أقسى مما تعرضنا له بالسابق... من جانب آخر هناك اجتهادات واختلافات داخلية في الرؤى، وهذا أيضاً ليس جديداً ولا يعيبنا. التحدي الحقيقي هو كيفية إدارة تلك الخلافات».
برغم ذلك، يرى الرجل أن «السلطات الأردنية متورطة في الانقسامات»، لكن ما يطرحه قد يوحي بـ«تخوين مباشر لكل من شق عصا طاعة القيادة الحالية المتمثلة بالمراقب العام همام سعيد»، وهو الذي لن يخدم بحال ما يقال عن مبادرة إصلاحية داخل الجماعة يقودها بني ارشيد بعد خروجه من السجن.
تقول الكاتبة المقربة من جناح الصقور في الجماعة، ربا كراسنة، إن «الإخوانيين على اختلاف مشاربهم في هذه المرحلة يعولون على بني ارشيد لجمع الصف، وحتى المستقيلون من حزب الجبهة (الشراكة والإنقاذ) يتريثون في اتخاذ خطوات جديدة بانتظار ما سيقدمه لهم». ويوم الإفراج عنه، أطلق فوراً مبادرة في خيمة استقباله من السجن قال إنها إصلاحية اختلف في فهمها، «كما أن الرجل يحجم عن الحديث فيها للإعلام، لكنه وصفها بأنها موجهة لكل أبناء البلد لا إلى الجماعة ومتفرعاتها».
وتتوقع كراسنة أن يكون لبني ارشيد «دور مهم في جمع الصف الإخواني كما كان قبل اعتقاله، ولكن من دون تيار المراقب العام الأسبق عبد المجيد الذنيبات المصنف في الجماعة الأم بإخوان الحكومة، ولا حتى مع تيار زمزم»؛ وهو أمر أكده وشدد عليه مراقب الجماعة الأم، همام سعيد، في حديث للصحافيين قبل أيام، حينما قال: «أبواب الحوار أغلقت تماماً مع تلك المجموعة». كذلك لا تستبعد كراسنة مفاجأة من بني ارشيد، فالرجل عشية اعتقاله وفي اجتماع خاص «كان قاب قوسين من توافق مع زمزم ضاع باعتقاله».
أما المتابع للشأن الإخواني، الكاتب محمد عرسان، فلا يرى في الإفراج عن بني ارشيد مفتاح الحل داخل الجماعة، لأن «مشكلة الحركة الإسلامية أكبر من شخص. هي صراع على السلطة داخل تيارات متنازعة»، متسائلاً عن المصالحة: «لمن موجهة، ومن تستهدف؟ من المعلومات القليلة عنها هي مبادرة إصلاحية مقدمة من الحركة الإسلامية تستهدف المجتمع وبعض التشريعات، وإذا كانت فعلاً كذلك، فهذا يؤشر على أن القيادة الإسلامية لم تدرك حتى الآن حجم المتغيرات وضرورة تغيير الخطاب».
وأضاف عرسان: «مبادرة تصدر عن جهة تعيش حالة ضعف إلى جهة أخرى هي الحكومة الأقوى في الساحة السياسية، كيف لها أن تنجح؟ من يتذكر فالحكومة في ظل ضعفها أمام المطالب الشعبية وقت الربيع الأردني لم ترضخ لغالب المطالب الإصلاحية، فما الذي سيدفعها في الظروف الحالية إلى الاستجابة لمبادرة الإخوان الذين يعيشون أسوأ حالات انقسامهم؟».
ويدعو الكاتب النخب الإخوانية إلى «مبادرة إصلاح داخلية»، قبل الحديث عن «مبادرة وطنية ليسوا أهلاً لها»، متوقعاً أن «الساحة الحزبية الأردنية ستشهد قريباً ولادة أحزاب من رحم الإخوان نتيجة اختلافاتهم العميقة».
ويقدم الكاتب أنيس الخصاونة، من جانبه، تشريحاً للحالة الإخوانية الحالية: جماعة الإخوان قفزت من فكرة الحمائم والصقور إلى وضع أسوأ، فثمة «جماعة إخوان الحكومة وجماعة الإخوان المسلمين الأصل، وهناك تيارات جديدة ظهرت مثل زمزم المتجهة لتشكيل حزب سياسي، والطرف الثالث الذي لا يدعم إخوان الحكومة ولا القيادة الأصلية، وهؤلاء أيضاً يتخذون إجراءات تصعيدية ربما تفضي إلى تشكيل كيان جديد».
عموماً، إن «إخوان الأردن» على عتبة انتخابات داخلية ستتمخض عنها قيادة جديدة ومكتب تنفيذي ومجالس تمثيلية وتنفيذية جديدة، قد تسهم في حلحلة الأزمة، ولكن بني ارشيد المعروف بمواقفه المتشددة والخلافية سيكون أمام اختبار الجهد الإصلاحي بعد غياب لفترة عام ونصف جرى فيها الكثير!