طرابلس | لم يرقِ الكثيرين في ليبيا، سواء على مستوى المشهد الإعلامي، أو حتى على المستوى الشعبي، المؤتمر الصحافي الختامي للممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحدة في ليبيا غسان سلامة، إثر انتهاء الجولة الثانية، يوم السبت الماضي، من اجتماعات لجنة الصياغة المشتركة الليبية التابعة لمجلس النواب (طبرق في الشرق) والمجلس الأعلى للدولة (طرابلس في الغرب).
وُصِفَ الكلام بالمُبهم وبأنّه لا يحمل نتائج واضحة عما تمّ إنجازه والاتفاق عليه، ولا حتى إجابات بشأن النقاط الخلافية التي لمّح إليها سلامة دون الكشف عنها صراحةً. وبإضافة «العبارات الفضفاضة»، يمكن القول إنّ المؤتمر الصحافي اتسم بالغموض.
تعليقاً على هذا المشهد، يرى الكاتب الصحافي الليبي فتحي بن عيسى، في حديث إلى «الأخبار»، أنّ «ما يحدث ليس حواراً، وإنّما مناكفات تهدف الى إضاعة الوقت». ويُدرج بن عيسى ذلك في خانة «أمل كل فريق بتحقيق مواقع سيطرة جديدة على الأرض، إذ إنّ الهدف هو الغنيمة، والغنيمة فقط». ويقول: «يوجد اعتقاد بأنّ ليبيا مركب غارق لا محالة، وبالتالي يسعى من يقودها إلى النجاة بنفسه من خلال أخذ كل ما هو ثمين وخفّ حمله تأميناً لمستقبله الشخصي، بدلاً من إنقاذ البلاد».
وعن رأي الكاتب الصحافي بالبيان الختامي الذي تلاه غسان سلامة يوم السبت، فإنّه يرى أنّ «سلامة رجل دبلوماسي مكلّف من الأمم المتحدة بلعب دور وسيط بين أطراف هي في أغلبها لا تريد الخير لبلدها، وتتميز بالعناد لأجل العناد، وشعارها أنا ومن بعدي الطوفان، ولهذا لن تكون بياناته إلا دبلوماسية ناعمة ويلجأ إذا دعت الحاجة إلى التلميح دون التصريح». وبينما يتساءل بن عيسى: «إلى متى نلقي اللوم على غيرنا طالما أنّ المشكل ليبي، والمتصارعين ليبيون، والبلد الذي يضيع هو ليبيا، والشعب الذي يعاني هو الليبي؟»، فإنّه يختم حديثه بالإشارة إلى أنّ «سلامة يبلي بلاء حسناً، إذ إنّه يسير في حقل ألغام ويتعامل مع حالات مجنونة لا تعي مصلحة بلدها ولا شعبها، ولذا أنا لا أتوقع شيئاً من هذه المناكفات سوى المزيد من إهدار الفرص والمزيد من المعاناة، ولا يمكن أن تحصل على نتائج مختلفة طالما أنّك تستخدم نفس الطريقة بنفس الأدوات».
من جهة أخرى، وفي التعليق على الحدث نفسه، يعتبر الإعلامي عبد الناصر خالد، في حديث إلى «الأخبار»، أنّ «مؤتمر سلامة حاول كسر الجليد بين الطرفين على الأقل... وحتى إن لم تحقق الحوارات النتائج المرجوّة منها، إلا أنّ تقريب المسافة بين طرفي الصراع شيء طيّب بحد ذاته». ويعتبر خالد أنّ «دور سلامة مهم لعدة اعتبارات، من بينها أنّه عربي ويعي تماماً كيف تُفكِّر العقلية العربية، وخاصة في مثل هكذا أزمات، إضافة إلى أنّه من بلد خاض حرباً أهلية كان لها تداعيات إقليمية، وبالتالي يملك سلامة من المقوّمات ما يجعله يحقق نتائج في الأزمة الليبية».
جدير بالذكر أنّ الجولة الثانية التي انعقدت في تونس الأسبوع الماضي، تبعت تلك التي أُقيمت في البلد نفسه في شهر أيلول الماضي، في حراكٍ يهدف عامة إلى إدخال تعديلات على اتفاق الصخيرات السياسي الموقّع في كانون الأول/ ديسمبر 2015 بين الأفرقاء الليبيين. إلا أنّ انطلاق أعمال الجولة الثانية جاء متعثراً، إذ بعد يومين فقط أعلن رئيس لجنة الحوار التابعة لمجلس النواب (طبرق) عبد السلام نصيّة، تعليق الجلسات بسبب ما وصفه «إصرار وفد مجلس الدولة على عدم الحسم في القضايا الخلافية والرجوع إلى نقاط سبق الاتفاق حولها».
عادت الأمور إلى نصابها إثر حصول ذلك الفريق على رؤية مكتوبة من نظرائه في مجلس الدولة (طرابلس) بشأن مختلف التعديلات التي سوف تشمل الاتفاق السياسي والمتعلقة أساساً بباب السلطة التنفيذية وبالمادة الثامنة من باب الأحكام الإضافية من اتفاق الصخيرات التي تمنح «مجلس الوزراء» سلطة تعيين قائد الجيش، وذلك قبل أن تتوقف أعمال هذه الجولة بصورة رسمية يوم السبت الماضي، من دون نتائج إيجابية كما ظهر.
للإشارة أيضاً، فمن بين تعقيدات المشهد الليبي، ومن بين الصعوبات التي لا بدّ أنّ فريق الأمم المتحدة يواجهها، تعدد الأطراف المعنية بأي حوار، إذ إنّ الأمور لا تقتصر على تبسيط العملية واختزال التحاور بجمع فريقين يمثلان: الشرق بقيادة المشير خليفة حفتر، والغرب الذي «تقوده حكومة الوفاق الوطني» برئاسة فائز السراج. ومن الدلالات البسيطة على ذلك، اعتراض «الهيئة التأسيسية لمشروع الدستور» على إدراج مسوّدة مشروع الدستور كأحد المحاور الرئيسة في الحوار السياسي القائم في تونس، وذلك من خلال إصدار أعضاء من الهيئة بياناً يوم الخميس الماضي، أبدوا فيه استغرابهم واستنكارهم طرح العملية الدستورية ضمن مجريات الحوار السياسي واعتراضهم على المساس بمسوّدة المشروع المعروضة على الشعب الليبي.
وفي حديث إلى «الأخبار»، يشرح طارق الزبيدي أنّه «كان من المفترض أن يُعلن سلامة في البيان الختامي التوصل إلى اتفاق سياسي نهائي بين الطرفين، لكن في اللحظات الأخيرة من الاجتماع عادوا إلى النقطة الصفر». ويلفت الزبيدي إلى أنّ «هناك إجابة ضمنية في تصريح لسلامة بأنّ الحوار قد فشل والإعداد جارٍ للخطة البديلة وهي (عقد) المؤتمر الوطني الجامع»، مبدياً اعتقاده في الوقت نفسه بأنّ «الحوار (الأخير) مضيعة للوقت، إذ يبدو واضحاً أنّه حوار للحصول على مناصب ونفوذ».
أما بالنسبة إلى دور غسان سلامة، فيرى الزبيدي أنّه «أفضل اختيار للأمم المتحدة نظراً إلى خلفيته السياسية ومنصبه السابق، والأهم من ذلك أنّه من بلد عربي مرَّ بتجربة شبيهة... لكن للأسف، المشكلة الحقيقية لا تكمن في مبعوث الأمم المتحدة، بل في الليبيين أنفسهم».