تحت شعار السعي إلى «حلّ الأزمة الخليجية»، وصل وزير الخارجية الأميركي ريكس تيلرسون، إلى العاصمة السعودية الرياض أول من أمس، في جولة قادته أيضاً مساء أمس إلى قطر، وتشمل توجهه إلى الهند، وباكستان. إلا أنّ الرعاية الأميركية لإنشاء إطار إقليمي جديد هدفه «مواجهة النفوذ الإيراني» في المرحلة المقبلة، تماشياً مع توجهات الرئيس دونالد ترامب، غلَبَت على مناقشات «الأزمة الخليجية» التي بدا أنّ الرياض ترغب في تأجيل البحث بخصوصها الآن.
ومن بين الدلالات المباشرة على ذلك، أنّ تيلرسون انتظر وصوله إلى الدوحة حيث التقى أمير البلاد تميم، ووزير الخارجية محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، للإعلان أنّ السعودية غير مستعدة بعد لبدء محادثات مباشرة مع الدوحة لحلّ الأزمة، موضحاً أنّه «لا يوجد مؤشر قوي حتى الآن يفيد بأنّ الأطراف مستعدة للحوار»، علماً أنّه اكتفى في الرياض بالتعبير عن أمله بأن «تدخل الأطراف في حوار يحلّ الخلافات ويحافظ على مجلس التعاون الخليجي قوياً... وإعادته إلى ما كان عليه».
ومن الدلالات أيضاً أنّ وزير الخارجية الأميركي الذي كان قد استبق وصوله إلى الرياض بحديث نُشر يوم الخميس الماضي وظهر متشائماً تجاه «الأزمة الخليجية»، ويحمل في طياته موقفاً إيجابياً حيال قطر «الساعية إلى الحوار»، بدا أنّ السلطات السعودية قد رفضت توجهه. وأوضح أصحاب وجهة النظر هذه رأيهم بالقول إنّ السعودية أفهمت «الرفض» للضيف الأميركي حين لم توفد وزير خارجيتها لاستقباله عند وصوله إلى المطار، وإنّما «انتدبت بدلاً منه وكيل وزارة الخارجية لشؤون المراسم عزام القين»، بينما التقى نظيره عادل الجبير، في وقت لاحق مساء أول من أمس، على «عشاء عمل».
ومن البديهي أنّ الرياض عوّلت في هذا التصرف على معطيات عدة، أولها إدراكها الواقع الصعب لتيلرسون داخل إدارة ترامب، ثانياً معرفتها أنّها تلتقي مع واشنطن حالياً في السعي الحثيث إلى تعزيز الإطار الإقليمي الذي سوف «يواجه إيران» في المرحلة المقبلة، وذلك في وقت يبدو أّنها تريد تأجيل حلّ «الأزمة الخليجية» إلى مرحلة لاحقة. وهذا ما يلتقي مع توجهات ترامب وليس مع توجهات وزير خارجيته، وذلك على الرغم من أنهّ بعد نحو شهر ونصف شهر هناك استحقاق خليجي مهم، يتمثّل في القمة الخليجية المقرر سلفاً انعقادها في الكويت، فيما هناك مخاوف حيال احتمال غياب قطر عنها، في مؤشر سوف يفيد بأنّ «مجلس التعاون الخليجي» دخل عملياً في مسار تفككه.
أيضاً، فإنّ أبو ظبي من جهتها كانت قد سارعت إلى الرد على تصريحات تيلرسون، وذلك عبر وزيرها للشؤون الخارجية، أنور قرقاش، الذي أعلن أول من أمس، أنّه «مع اقتراب موعد القمة الخليجية، فإنّ العقل والحكمة والمنطق (يقولون) أن تُراجِع الدوحة سجلها لتنهي أزمتها؛ الكرة في ملعبها وهي تدرك المطلوب منها». وترافق ذلك مع ترويج، في بعض وسائل الإعلام القريبة من السعودية والإمارات، لفكرة أنّ «الأزمة الخليجية» لا تتقدم في أولويات واشنطن راهناً على حساب الترتيبات الإقليمية الهادفة إلى «مواجهة النفوذ الإيراني»، ومن ضمنها المسعى الأميركي المُعلن «لإبعاد بغداد عن طهران».
وضمن هذه الخانة، اندرجت رعاية تيلرسون للاجتماع الأول لمجلس التنسيق السعودي العراقي في الرياض، والذي دشنه الملك سلمان ورئيس وزراء العراق حيدر العبادي. وعقب ذلك، أعرب وزير الخارجية الأميركي عن «الإيمان بأنّ ما حصل سوف ينعكس على التأثيرات العقيمة لإيران في داخل العراق». واعتبر أنّ «مجلس التنسيق» سوف يُساهم في إصلاحات لبناء القطاع الخاص في العراق والتشجيع على الاستثمار الأجنبي، مضيفاً أنّه «سوف يكون هذا مهماً لإرساء السلام المستحق بفضل المكاسب العسكرية».
ولفت تيلرسون، أمس، إلى أنه ناقش مع الملك السعودي ونجله ولي العهد محمد، «سياسات الرئيس الأميركي تجاه إيران، وتصرفاتها في المنطقة إضافة إلى تجميد أموال وشركات للحرس الثوري وغيرها من الشركات حول العالم»، مشدداً على أن «ممارسات الحرس الثوري هي سبب عدم الاستقرار في المنطقة واليمن وسوريا». وبينما أشار إلى أنّ هذين الاجتماعين المنفصلين ناقشا أيضاً «الصراع في اليمن والصراع بين دول مجلس التعاون الخليجي وعدداً من القضايا الإقليمية مثل سوريا»، فقد أشاد بقمة الرياض التي انعقدت في شهر أيار الماضي وبنتائجها، وقال إنه يجب المتابعة لتنفيذ قراراتها والبناء عليها، مؤكداً التزام بلاده «بأمن المنطقة واستقرارها».
وكان وزير الخارجية الأميركي قد ناقش مع نظيره السعودي عادل الجبير، سياسة واشنطن الجديدة «الصارمة» تجاه إيران، بما في ذلك احتمال انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي الإيراني المبرم عام 2015 وفرض عقوبات جديدة على «الحرس الثوري».

ناقش تيلرسون مع الملك سلمان ونجله سياسات ترامب تجاه إيران


وخلال مؤتمر صحافي مع الجبير في ختام زيارته للرياض، دعا تيلرسون «الميليشيات الإيرانية» إلى مغادرة العراق. وقال: «بالطبع هناك ميليشيات إيرانية. والآن، بما أنّ المعركة ضد تنظيم الدولة الإسلامية شارفت على نهايتها، فإنّ على تلك الميليشيات العودة الى موطنها. على جميع المقاتلين الأجانب العودة الى بلادهم». ووفق مسؤول أميركي رفيع تحدث إلى «فرانس برس»، فإنّ هذه التصريحات موجهة إلى «الحرس الثوري الإيراني وفيلق القدس». وأضاف أنّ «موقف الحكومة العراقية وموقف حكومتنا أن تكون هناك قوة أمن عراقية واحدة مسؤولة أمام الدولة العراقية»، مشيراً إلى أنّ «ما سوف يحدث لقوات الحشد الشعبي هو إما العودة إلى منازلهم أو دمجهم في قوات الأمن العراقية».
في غضون ذلك، كان لافتاً أنّ المرافق الأول لتيلرسون خلال لقاءاته السعودية، لم يكن دبلوماسياً أتى معه من ضمن فريق وزارة الخارجية، وإنّما القائم بالأعمال في السفارة الأميركية لدى الرياض كريستوفر هينزيل. وللإشارة، فإنّ الأخير الذي يشغل هذا المنصب منذ بداية العام الجاري فقط، كان قبل تعيينه في هذا المكان قد تسلّم منصب مدير مكتب وزارة الخارجية الأميركية للشؤون الإسرائيلية والفلسطينية من عام 2013 إلى عام 2016 (وهذا ما قد يتلاقى مع تصاعد الأحاديث راهناً عن تواصل التقارب بين تل أبيب والرياض في السياق الإقليمي نفسه الداعي إلى «مواجهة النفوذ الإيراني»).
على صعيد آخر، جدير بالذكر أنّ الخارجية الأميركية أعلنت، أول من أمس، أنّ «القائمة بأعمال مساعد وزير الخارجية للشؤون السياسية والعسكرية تينا كايدانو، (سوف) تسافر إلى إسرائيل، وقطر، والكويت، والعراق، لمناقشة قضايا متنوعة»، موضحة أنّه «في قطر، سوف تتشاور كايدانو مع مسؤولين مدنيين وعسكريين وقادة عسكريين أميركيين (ذلك أنّ) العلاقة الأمنية الأميركية القطرية مهمة لتحقيق الأهداف المشتركة».
(الأخبار)