في ظل استعادة القوات العراقية للسيطرة الميدانية على معظم المناطق المتنازع عليها مع «إقليم كردستان»، انطلقت زعامة أربيل «البرزانية» في مسار يهدف إلى تقليص تداعيات أزمة الاستفتاء، ومحاولة لملمة أطراف المشهد السياسي المتفجّر بين مختلف الأطراف الكردية. وبدا هذا المسعى جلياً مع إعلان «مفوضية الانتخابات والاستفتاء في الإقليم»، أمس، تعليق إجراءات عملية الانتخابات الرئاسية والبرلمانية، التي كان من المقرر إجراؤها في الأول من تشرين الثاني المقبل.
وعزت «المفوضية» تعليق الاستحقاقين إلى «عدم تسلّمها أسماء المرشحين في الموعد المحدد (3 تشرين الأوّل)، فضلاً عن التطورات الأخيرة»، مشيرةً إلى أنّ «تعليق الإجراءات سيبقى إلى حين اتخاذ برلمان الإقليم قراراً (نهائياً) بهذا الشأن».
في المقابل، تصف مصادر قيادية في «الاتحاد الوطني الكردستاني»، خطوة رئيس «الإقليم» مسعود البرزاني، بأنّها «طعنة جديدة في الظهر». وتشير في حديثها إلى «الأخبار»، إلى أنّ البرزاني لم يلتزم «الاتفاق الذي أُبرم قبل الاستفتاء» والذي قضى بإجراء الاستفتاء في محافظات «الإقليم» دون المناطق المتنازع عليها، خاصّة كركوك، وذلك في مقابل إجراء الانتخابات الرئاسية والبرلمانية هناك.
وتضيف المصادر أن خطوة البرزاني دليل آخر على «سياسته العائلية في إدارة الإقليم، وحرصه على احتكار التمثيل السياسي بعائلته دون إشراك المكوّنات الأخرى»، موضحةً أن إجراء الانتخابات في هذه الظروف «لا بدّ أن تكون له نتائج عكسية» على البرزاني. وتأسف المصادر لما تصفه بـ«الوقوع في فخّ البرزاني» الذي ربط نجاح مشروعه الانفصالي بـ«التغيير الديموقراطي في الإقليم».

قائد عسكري عراقي: أعدنا عقارب الساعة إلى عام 2014


على الصعيد الإقليمي، حضرت تركيا بنحو لافت، أمس، ضمن مشهد الأزمة، من خلال تصريحات متقدّمة لكل من رئيسها ورئيس وزرائها، رجب طيب أردوغان، وبن علي يلدريم. وفي كلمة أمام «اجتماع المخاتير» في المجمّع الرئاسي في أنقرة، أعلن أردوغان أنّ «على شعب إقليم شمال العراق» رؤية ما حلّ به نتيجة ممارسات إدارة «الإقليم»، مشيراً في الوقت نفسه إلى أنّ المساعدات الإنسانية إلى «الإقليم» ستمرّ عبر الحكومة في بغداد. وقال في هذا الصدد: «بالأمس كنّا ننظر إلى إقليم شمال العراق نظرةً ملؤها المحبة، فيما اليوم نُغلق حدودنا معه، وعلى إدارة الإقليم أن تُجيب عن سبب ذلك لأنها هي من أوصلت المسألة إلى هذه النقطة».
وبينما شدد الرئيس التركي على أنّ «التاريخ سيحاسب جميع من ضرب بالتنوع الذي تذخر به البنية الديموغرافية للمنطقة عرض الحائط، وأولئك الذين تصرفوا بانتهازية ضد بقية المكونات»، توجّه بأسئلة بدت أنّها مباشرة إلى مسعود البرزاني: «ما شأنك بكركوك؟ هل لديك تاريخ في تلك المدينة؟ اجلس واعمل من أجل شعبك في المناطق التابعة لك، فأنت تعرف جيداً كركوك من حق مَن. للأسف أوغلت ظلماً في مكونات تلك المدينة، ولذلك فإن مسؤولية كل قطرة دم تسفك في العراق ملقاة على عاتق حكومة الإقليم» (كما نقلت وكالة الأناضول).
على الصعيد نفسه، أعلن رئيس الوزراء التركي دعم بلاده للخطوات التي أقدمت عليها حكومة بغداد، مضيفاً أنّ «تركيا تتطلع إلى إبداء الحكومة العراقية الحساسية اللازمة حيال إعادة تأسيس البنية الديموغرافية لمدينة كركوك، بما يتماشى مع العمق التاريخي لها».
في غضون ذلك، حصر، أمس، رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي، مهمة الإمساك بأمن كركوك بـ«الشرطة المحلية وبإسناد من جهاز مكافحة الإرهاب»، آمراً بـ«منع وجود أي جماعات مسلحة أخرى في المحافظة»، في إشارةٍ إلى رفض بغداد بقاء قوات «البشمركة» (وقوات الحشد الشعبي) في كركوك وفي غيرها في المناطق المتنازع عليها. وهو أمرٌ وصفه «قائد عسكري كبير» في حديث إلى وكالة «رويترز»، بالقول: «بدءاً من اليوم أعدنا عقارب الساعة إلى 2014».
وبينما يُقابل تمسّك بغداد الدستوري بكركوك وبقية الأراضي المتنازع عليها دعوات صادرة عن قياديين في «الحزب الديموقراطي الكردستاني» (بزعامة البرزاني) تشير إلى حتمية العودة إلى المناطق التي «اقتُطعت منهم»، فإنّ «عودة كركوك إلى حضن العراق» تتبِعُه العاصمة العراقية بحزمة من القرارات التي تمنع «العودة إلى الحضن الكردي مجدّداً»، وذلك بتعبير مصدرٍ حكومي يؤكد في حديثه إلى «الأخبار»، أنّ «العبادي متمسّكٌ بالهوية العراقية للأراضي المتنازع عليها». من جهة أخرى، أعلن «مكتب الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية» في بغداد عن أن نحو 61200 شخص نزحوا، خلال 48 ساعة، من ديارهم بسبب العملية العسكرية في كركوك ومحيطها، إلا أن أغلبهم بدأ بالعودة إليها.
وفي سلسلة المواقف الإقليمية والدولية، بدا لافتاً بيان وزارة الخارجية الفرنسية، الذي دعا «جميع الأطراف المعنية، خاصّةً ايران، إلى العمل معاً من أجل هزيمة داعش بالكامل ووضع نهاية للأزمة مع الأطراف الكردية».
(الأخبار)