ملف الشرق السوري يعيش فصوله الأخيرة. من الرقّة إلى الحدود العراقية، مروراً بدير الزور، ثمّة تطوراتٌ مرتقبة (في مدى زمنيّ لا يتوقّع أن يتجاوز أسبوعاً) لتُكمل ما شهدته الرقة والميادين في اليومين الأخيرين. سيطرة الجيش السوري على مدينة الميادين (ريف دير الزور الجنوبي) تستحقّ الصدارة من حيث أهميّة الحدث، نظراً إلى أنّ المدينة كانت قد أُدرِجت على سلم أولويات الولايات المتحدة جنباً إلى جنب مع مدينة البوكمال الحدوديّة.
تأسيساً على ذلك، يحظى نجاح الجيش في تحرير المدينة من قبضة «داعش» بأهميّة سياسيّة توازي الأهمية العسكرية، إن لم تتفوّق عليها. ويبدو لافتاً أنّ عمليّات الجيش السوري في دير الزور سارت في خلال الأسبوع المنصرم بعيداً عن المفاجآت التي حضرت في المشهد إبّان عبور الجيش وحلفائه نهر الفرات إلى ضفّته الغربيّة. في الوقت نفسه، يمكن النظر إلى اتفاق الرقّة الذي قضى بخروج 275 مقاتلاً من تنظيم «داعش» بوصفه تطوّراً بارزاً، لا في موازين العمليات العسكرية (التي تبدو محسومةً منذ زمن طويل لمصلحة «قوّات سوريا الديمقراطيّة») بل بالنظر إلى علنيّة الاتفاق وتجييره لمصلحة العشائر العربيّة في المنطقة، وبرضى من «التحالف الدولي» وذراعه البريّة «قسد».

سلو: الرقّة لم تحرّر بعد
والمعارك تدور في مساحة
تقارب 10% منها


المتحدث الرسمي باسم «قسد» طلال سلو قال لـ«الأخبار» إنّ «الاتفاق عُقِد بين مجلس الرقّة المدني ووجهاء العشائر العربيّة في المنطقة من جهة، وإرهابيي داعش المحليّين من جهة أخرى. نحن لسنا طرفاً في الاتفاق، لكنّنا أيّدناه حرصاً على من تبقّى من المدنيين». وأوضح أنّ «مدينة الرقّة لم يتم تحريرها بعد، المعارك ما زالت دائرة في مساحة تقارب 10% منها، وهي معارك تخوضها قواتنا ضد إرهابيي داعش الأجانب الذين لم يشملهم الاتفاق». وخلافاً لما جاء على لسان عضو «مجلس الرقة المدني» عمر علوش، أكّد سلو أنّ «التسوية لم تشمل أي أجنبي، بل شملت 275 إرهابيّاً محليّاً وعائلاتهم فقط».
وحتى مساء أمس لم تكن الوجهة النهائيّة للمتطرفين المشمولين بالاتفاق محسومةً بعد، وفقاً لما أكّده سلو لـ«الأخبار». وقال المتحدث إنّ هناك «احتمالاً من اثنين: قد يذهبون إلى المناطق التي يحتلها التنظيم الإرهابي في دير الزور، أو يُسلّمون أنفسهم لقواتنا للتحقيق معهم والنظر في أمرهم وفقَ تسويةٍ ما، كونهم سلّموا أنفسهم». ويبدو مستبعداً وفقاً لظروف الاتفاق أن يختار متطرفو «داعش» التوجه نحو دير الزور، نظراً إلى أن الاتفاق لم يحظَ بـ«غطاء رسمي» من التنظيم، مع ما يعنيه ذلك من احتمال تحوّل المغادرين وفق التسوية إلى «أهداف مشروعة» في دير الزور. ولم يشذّ تعليق سلو على تقدم الجيش السوري في دير الزور عن المعهود من تصريحات «قسد» في حالات مماثلة، وقال «تحرير الميادين خطوة جيدة طبعاً. منذ تأسيس قسد أعلنّا هدفاً واضحاً هو القضاء على داعش أينما وُجد، وأي هزيمة يمنى بها داعش سواء في الميادين أو أي بقعة سورية أخرى نعتبرها إنجازاً يستحق المباركة». وشّدد سلو على أنّ «قسد» كانت قد أكدت مراراً أن «القضاء على داعش يجب أن يكون هدفاً مشتركاً بيننا وبين النظام، ونؤكد على ضرورة تضافر الجهود وتوحيد الهدف بين الطرفين للقضاء على الإرهاب، ثم الذهاب إلى نوع من المباحثات. مستقبل العلاقة بيننا وبين النظام سيُرسم حتماً وفق مبادرة سياسية كما تطلب منا الأمم المتحدة ومجلس الأمن، ونحن مستعدون». وأضاف «التوتر في دير الزور تم تطويقه، لم يعد هناك اشتباكات بيننا وبين الجيش، ووُجّه السلاح نحو داعش». كذلك، حرص سلو على الإشارة إلى أنّ «الغاية من حملة عاصفة الجزيرة هي تحرير ما تبقى من الجزيرة إضافة إلى شرق الفرات. نحن لن نتجاوز هذا الهدف، ولن نفكر في عبور الفرات مثلاً. منذ البداية قلنا ذلك». ويأتي هذا التذكير في ظل المؤشّرات الواضحة على عزم الجيش على المضيّ في عملياته العسكرية وصولاً إلى مدينة البوكمال الحدوديّة، والتي تنظر إليها الولايات المتحدة بوصفها «جائزة كبرى» («الأخبار»، العدد 3239، والعدد 3245).
وسألت «الأخبار» سلو بشكل خاص عن مدينة البوكمال وموقعها في خارطة اهتمامات «قسد»، فقال «الموضوع واضح. إذا كانت غرب الفرات فهي ليست ضمن اهتمامنا، شرقه فهي في دائرة اهتمامنا» (تقع المدينة غرب الفرات بطبيعة الحال). وتعكس تصريحات المتحدث الرسمي، معطوفةً على المعلومات الواردة من كواليس «قسد»، ميلاً إلى تحاشي أي تصعيد مع دمشق في توقيتٍ بالغ الحساسية لجهة السعي الروسي إلى جمع الطرفين على طاولة مباحثات مُعلنة. وتفيد معلومات متقاطعة حصلت عليها «الأخبار» بأنّ تقييم المعطيات في كواليس «قسد» و«مجلس سوريا الديمقراطيّة» في ما يتعلق بالجهود الروسيّة «إيجابي بمجمله». وترى مصادر عدّة تحدثت إليها «الأخبار» في هذا الشأن أنّ «هناك جناحاً داخل النظام السوري يتبنّى موقفّاً حادّاً من قسد، وهو أشبه بجناح الصقور. لكنّ كفة القرار السياسي تميل في اتجاه آخر، وتصبّ في خانة تجاوب دمشق مع المساعي الروسيّة وخوض مباحثات جادّة». لكنّ مصدراً دبلوماسيّاً سوريّاً يؤكد لـ«الأخبار» أنّ «وجود وجهات نظر مختلفة بين مسؤول وآخر هو أمر وارد، لكنّ هذا لا يعني وجود أجنحة». ويقول المصدر إنّ «هذه التقسيمات غير موجودة في البنية السياسية السوريّة. الأمر ببساطة أنّ كل المسؤولين السوريين يتحولون إلى صقور حين يتعلق الأمر بوحدة الأراضي السوريّة».