في تصريحات لافتة، أشار رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، إلى أنّه قلق على «تمكين إسرائيل من الاحتفال بذكرى تأسيسها، بعد ثلاثين عاماً». فبرأيه «على مدى 80 عاماً نجح الحشمونائيم في الخروج من وضع صعب جداً... علينا أن نتعهد بأن تحتفل إسرائيل بمئويتها». صُعق الضيوف المدعوون إلى ندوة «التناخ« (الكتاب المقدس) في منزل نتنياهو. إذ إن حضورهم كان ضمن ما يفترض أنه «احتفالية» على هامش عيد «العُرش»، ليجدوا رئيس حكومتهم قلقاً من إمكانية أن لا تستمر إسرائيل حتى ثلاثة عقود أخرى!
كلام نتنياهو كشفت عنه صحيفة «هآرتس» أمس فقط، مشيرة إلى أنه قيل قبل نحو أسبوع، أي أنه جاء بُعيد خطاب الأمين العام لحزب الله، السيد حسن نصرالله، في ذكرى عاشوراء، وفيه خاطب اليهود في إسرائيل والعالم، قائلاً إن «الحركة الصهيونية استغلت اليهودية واليهود من أجل إقامة مشروع احتلالي في فلسطين والمنطقة خدمة للإنكليز والسياسات الأميركية».
وفيما اكتفى الإعلام العبري ومحللوه بترجمة الخطاب الحرفية، رجح مراقبون أن يكون السبب منطلقاً من توصية استخبارية أصدرتها الرقابة العسكرية لسبب ما، كما رجّح آخرون انشغال الإسرائيليين بعطلة الأعياد اليهودية.
لكن الكلام الصدر عن رئيس الوزراء كان واضحاً: «لا وجود يهودياً من دون التناخ. هذا (التناخ) هو القاعدة الرئيسة والعليا بالنسبة إلينا، وهم يحاولون تحطيمه»، محذراً من أنه «يتعين على (دولة إسرائيل) الاستعداد منذ هذه اللحظة لكل التهديدات التي تشكل خطراً على وجودها، وذلك كي تتمكن من الاحتفال بعيد استقلالها المئة بعد ثلاثة عقود».
ضمن الندوة التي استضافها نتنياهو وعقيلته سارة، شدد على أن «مملكة الحشمونائيم (المكابيين) نجحت في الاستمرار لـ 80 عاماً فقط، وأنه يعمل بجهد من أجل أن تنجح إسرائيل في ذلك، وصولاً إلى مئوية استقلالها».

كلام رئيس الوزراء جاء خلال ندوة استضافها في منزله بمناسبة «عيد العرش»


الندوة المغلقة لم تبق بعيدة عن أعين الإعلام، إذ نقل الحاضرون ما استشفوه من خطاب نتنياهو، قائلين إن «مسألة بقاء إسرائيل تشغل باله (نتنياهو) ومزاجه يعبّر عن ذلك في هذه الأيام». لكن ربط نتنياهو بين إسرائيل ومملكة الحشمونائيم لم يكن عبثاً، فالصهاينة وعموم اليهود ينظرون إلى الحشمونية (الاسم الآخر للمكابية - نسبة إلى يهودا المكابي) على أنها «استطاعت إشعال فتيل الثورة ودب الروح العسكرية بين اليهود إبان حكم الدولة السلوقية». إذ إن الهدف الرئيسي الذي قامت من أجله «ثورة المكابيين في القرن الثاني قبل الميلاد هو الرغبة في عتق اليهود من الضغوط الفكرية، والتأثيرات الثقافية والدينية التي أرختها ظلال الحكم الهيلنستي». لكنهم ما إن انتصروا على ما اعتبر ظلماً بحقهم وخصوصاً في ممارسة الشعائر الدينية (لاحقاً أجازوا القتال في السبت الذي تحرمه التوراة) حتى باتوا مثل أعدائهم يستخدمون الأساليب الترهيبية نفسها، ويحتلون أراضي غيرهم ويطردون كل من هو غير يهودي من مناطق سيطرتهم. ونتيجة لذلك ظهرت جماعة «الفريسيين» التي حاربتها، وهي جماعة تستمد منها حركة ناتوري كارتا (حراس المدينة) جذورها (ترفض قيام دولة لليهود قبل مجيء المسيح). أمّا المملكة اليهودية الثانية (مملكة الحشمونيم) فكانت نهايتها على يد الإمبراطورية الرومانية، بعدما حكمت حوالى 80 عاماً.
وبالعودة إلى المشاركين في الندوة، نقلت «هآرتس» قولهم إن «كلام نتنياهو حظي باهتمام كل من حضر، فقد كان شاذّاً وغير مألوف بالمقارنة مع النقاش الأكاديمي الذي دار بعيد الندوة». إذ قال إن «مسألة (وجودنا) ليست مفهومة ضمناً... ليست بديهية، سأعمل بجهد من أجل حماية الدولة والحفاظ عليها».
وفي خلال الندوة قال نتنياهو، أيضاً، إنه «بإعادتنا لبناء السيادة اليهودية هنا في أرض إسرائيل كان هناك من يرتبط بعبارات النبي عاموس عن تأسيس وإقامة عُرَش ديفيد الساقطة، وحتى اليوم لا تزال المحاولات لإسقاط وإزالة (عريشتنا) جارية، وهي الآن حقيقة أكثر من أي وقت مضى». أمّا المناقشة الأكاديمية التي تلت الندوة، فقد خصصت للحديث عن «دلالات عيد العُرش، وأساليب التعامل مع هشاشة الحياة، والفروقات بين العُرش المؤقتة، والبيت الدائم والمستقر». إذ رأى نتنياهو، ربطاً بذلك، أن «اعتراف السلطة الفلسطينية بيهودية إسرائيل (كبيت دائم لليهود) هو شرط أساسي للسلام... نحن لسنا مهتمين بالمصالحة الوهمية، التي تتصالح فيها الفصائل الفلسطينية مع بعضها البعض على حساب وجودنا». وتابع: «نتوقع أن نرى ثلاثة أمور، وهي: الاعتراف بدولة إسرائيل، تفكيك الجناح العسكري لحماس وقطع العلاقات مع إيران التي تدعو إلى تدميرنا. هذه أمور أساسية، ونحن نقف عليها».
إلى ذلك، رد ديوان رئيس الوزراء على ما كشفته «هآرتس»، قائلاً إن «نتنياهو يكرس معظم وقته للتفرغ للمسائل الأمنية، بهدف ضمان أمن إسرائيل ووجودها... المعضلات الأمنية لم تنتهِ بعد».
وباستضافة الزوجين نتنياهو للندوة الدينية على هامش عيد العرش، والتي عقدت على اسم والد سارة، شموئيل بن أرتسي، يكونان بذلك قد توّجا العام التاسع على إحيائها. إذ كانت قد بدأت مع حكومة ديفيد بن غوريون حتى حكومة مناحيم بيغين، لتتوقف لاحقاً، ثم يعيد الزوجان استضافتها منذ تولي نتنياهو رئاسة الحكومة.