طرابلس | منذ 2014، تعيش ليبيا مرحلة انتقالية جديدة على الصعيد المؤسساتي بعد عقود غاب فيها الدستور عن الدولة. وعقب إعلان 2011 الدستوري والتعديلات التي طرأت عليه في 2013، صدرت قبل أسابيع مسوّدة دستور عن «لجنة الستين» التي انتُخبَت في عام 2014 وسُميَت باسمها لأنها تضم 60 عضواً موزعين بين أقاليم ليبيا الثلاثة سابقاً: 20 لإقليم برقة (المنطقة الشرقية)، و20 لإقليم طرابلس (المنطقة الغربية)، و20 لإقليم فزان (المنطقة الجنوبية الغربية).
كان هدف هذه اللجنة، كتابة دستور جديد للبلاد، لكنها واجهت خلال هذه الفترة العديد من المعوِّقات والعراقيل التي سبّبت تأخير صدوره حتى الآن.
في الأثناء، ولمناسبة الذكرى الـ66 لصدور «دستور 7 أكتوبر 1951» الملكي، نُظمت أول من أمس، في «دار الفنون» بالعاصمة الليبية طرابلس، محاضرة بعنوان «الدساتير التي طُبقت على ليبيا والظروف والأحداث السياسية التي صاحبتها»، أدارها المؤرخ محيي الدين الكريكشي، بحضور لفيف من المثقفين والمهتمين بالتاريخ الليبي.

بداية الحديث عن مسارات دستورية
كان عام 1876 إبان الحكم العثماني

وتندرج هذه المحاضرة في خانة النشاطات والمحافل الثقافية التي تزدحم بها دُور الثقافة «ما بعد حكم القذافي»، وهي أماكن أصبحت تعجّ بالفعاليات التي تُثري فكر المجتمع الليبي، برغم كل ما تمرّ به البلاد من أحداث أمنية وظروف اقتصادية متردية.
في بداية الحديث عن المسارات الدستورية التي عرفتها ليبيا في مختلف المراحل، يستهل الكريكشي حديثه عن بدايات العمل بالدستور عام 1876 إبان الحكم العثماني، وقد عُطِّل لفترة قبل استئناف العمل به في عام 1908، إذ كانت البلاد جزءاً من الدولة العثمانية آنذاك. إلا أنّ المؤرخ الليبي يشرح أنّ أول وثيقة دستورية عرفتها ليبيا في تاريخها التشريعي كانت في عام 1919 حين أُعلِن دستور طرابلس ودستور برقة في عهد الاستعمار الإيطالي.
وفي الحديث عن السيرة الدستورية لليبيا، يعرّج الكريكشي على تأسيس إمارة برقة ودستورها عام 1949، وصولاً إلى التاريخ الذي أصدرت فيه الجمعية العامة للأمم المتحدة القرار رقم 289 في 21/11/1949، الذي قضى بمنح ليبيا استقلالها في موعد لا يتجاوز الأول من كانون الثاني/يناير 1952 (شُكِّلت لجنة لتعمل على تنفيذ قرار الأمم المتحدة من أجل تحقيق استقلال كامل التراب الليبي ونقل السلطة إلى حكومة ليبية مستقلة).
وفي السياق، يشرح الكريكشي أنه في شهر تشرين الأول/ أكتوبر 1950، تكوّنت جمعية تأسيسية من ستين عضواً يمثلون كل إقليم من أقاليم ليبيا الثلاثة. وفي 25 تشرين الثاني/ نوفمبر من السنة نفسها، اجتمعت الجمعية التأسيسية لتقرر شكل الدولة، وعلى الرغم من اعتراض ممثلي ولاية طرابلس على النظام الاتحادي، فقد حصل الاتفاق، وكَلّفت الجمعية التأسيسية لجنة لصياغة الدستور دراسة النظم الاتحادية المختلفة في العالم. قدَّمت الأخيرة تقريرها إلى الجمعية التأسيسية في أيلول/ سبتمبر 1951 في وقت كانت قد تكونت فيه حكومات إقليمية مؤقتة بليبيا.
ترافق ذلك المسار مع إعلان الجمعية التأسيسية في 29 آذار/ مارس 1951 تشكيل حكومة اتحادية مؤقتة في طرابلس، برئاسة محمود المنتصر. وفي 12 تشرين الأول/ أكتوبر 1951، نُقِلت إلى الحكومة الاتحادية والحكومات الإقليمية السلطة كاملة باستثناء ما يتعلق بأمور الدفاع والشؤون الخارجية والمالية، فالسلطات المالية نُقِلت إلى حكومة ليبيا الاتحادية، وذلك بالتوازي مع إعلان دستور ليبيا الاتحادي واختيار إدريس السنوسي ملكاً للمملكة الليبية المتحدة بنظام فيدرالي يضم ثلاثة ولايات (طرابلس، برقة، فزان). استمر ذلك الواقع حتى 26 نيسان/ أبريل 1963 حين عُدِّل دستور ليبيا وأُسِّسَت دولة ليبيا الموحدة ذات النظام المركزي تحت اسم «المملكة الليبية».
وعن دستور سنة 1951 يرى الكريكشي في خلال حديثه، أنه كان دستوراً جيداً لما يحتويه من مواد دستورية «ديموقراطية ومتحضرة» على صعيد الحقوق والحريات التي تشمل حرية المعتقد وحرية المرأة. ويضيف أنّه في التعديل الدستوري لعام 1963، أُعطيَت المرأة حق التصويت، وكانت ليبيا رائدة في هذا الجانب، وغيرها من الأمور التي تُحسب لهذا الدستور، قبل أن يقوم نظام القذافي بتعطيله عند تسلّمه للحكم عام 1969.