في رسالة تُظهر حجم الغطرسة السعودية في التعامل مع ملف حقوق الإنسان، هددت الرياض باتخاذ «إجراءات» اقتصادية وسياسية بحق الدول التي تؤيد قراراً للأمم المتحدة بفتح تحقيق دولي في الانتهاكات التي تُرتكب في اليمن.
ونصّت الرسالة، التي وصلت إلى عدد من الدول وتداولتها المواقع الإخبارية، على أن «تبنّي المسودة الهولندية ــ الكندية في مجلس حقوق الإنسان قد يؤثر سلباً على العلاقات السياسية والاقتصادية الثنائية مع السعودية»، مؤكدة أن الأخيرة «لن تقبل» بإجراء تحقيق مستقل في الجرائم التي يرتكبها تحالف العدوان الذي تقوده المملكة على البلد العربي الأشد فقراً منذ عام 2015.
وحثّت المملكة الدول على دعم «التحقيق اليمني الداخلي»، مشيرة إلى أن الأمم المتحدة «تفتقر إلى الصدقية»، وبالتالي ليست في موقع يخوّلها التحقق من الغارات، التي ذهب ضحيتها أكثر من 14 ألف مدني حتى الآن.
ورداً على التهديدات السعودية «المشينة»، اعتبر مدير منظمة «هيومن رايتس ووتش» في جنيف جون فيشر، أن «من المسيء أن تسعى السعودية إلى استخدام التهديد بعقوبات اقتصادية وسياسية ضد الدول التي تدعم هذا النوع من التحقيق الدولي الذي قد يضع حداً للانتهاكات»، مؤكداً أن «التحالف قصف مستشفيات وأسواقاً ومنازل وجنازات... لقد حان الوقت ليقول المجتمع الدولي كفى».
وتصاعدت في الأشهر الماضية الأصوات المطالبة بفتح تحقيق دولي مستقل في اليمن، ولا سيما بعدما اخترقت المجازر التي ارتكبها العدوان أخيراً التعتيم الإعلامي المفروض على البلاد منذ سنتين، الأمر الذي شكّل ضغطاً على الدول الأعضاء في مجلس الأمن، ودفع هولندا وكندا إلى تقديم مسودة تدعو إلى تشكيل لجنة تحقيق مستقلة تدعمها الأمم المتحدة.
ويشكّل المقترح الهولندي ــ الكندي تحدياً حقيقياً لمقترح آخر مقدّم من قبل السعودية وبعض الدول العربية، يدعو إلى تمديد عمل «اللجنة الوطنية للتحقيق في ادعاءات حقوق الإنسان في اليمن»، المشكلة من قبل حكومة الرئيس اليمني المستقيل عبد ربه منصور هادي، المدعوم من قبل تحالف العدوان.
وكان مكتب مفوضية الأمم المتحدة العليا لحقوق الإنسان قد شدّد، مطلع الشهر الجاري، على ضرورة أن تتولى المنظمة الدولية مسؤولية التحقيق، معتبراً أن اللجنة المحلية «غير مؤهلة للقيام بهذه المهمة».
وأكّد المكتب أن اللجنة «تأثرت سلباً بالقيود السياسية»، في حين قال المفوض السامي لحقوق الإنسان زيد بن رعد الحسين، إنها «منحازة وغير معترف بها من الأطراف المتحاربة»، وبالتالي لا يمكنها «تقديم تقارير كاملة وغير منحازة عن الوضع».
وسبق أن رحّبت حركة «أنصار الله» بدعوة الأمم المتحدة إلى إجراء تحقيق دولي «محايد ومستقل»، مؤكدة «التزام حكومة الإنقاذ الوطني في صنعاء بالتعاون الكامل مع لجنة التحقيق عند تشكيلها... واستعدادها لتزويد مكتب المفوضية بالمعلومات الموثقة والدقيقة وفقاً للمنهجية الدولية للرصد والتوثيق».
وتأتي التهديدات السعودية بعد أيام من تقرير لـ«منظمة العفو الدولية» يتهم «التحالف» بارتكاب «جرائم حرب» في اليمن، كان آخرها في 25 آب الماضي، عندما «استهدف طيران التحالف مجموعة منازل متلاصقة في صنعاء، في غارة ذهب ضحيتها سبعة أطفال».
وهذه ليست المرة الأولى التي تستخدم فيها السعودية التهديد والترهيب في الملف اليمني. ففي 13 من الشهر الجاري، وتزامناً مع انعقاد اجتماع، في مدينة جنيف السويسرية، ضم عشرات المنظمات الدولية الداعية إلى إدراج دول «التحالف» ضمن القائمة السوداء المعنية بانتهاكات حقوق الأطفال في مناطق النزاعات، نقلت الصحف عن مصادر دبلوماسية تجديد السعودية تهديداتها السابقة بقطع الدعم المالي الذي تقدمه للمنظمات التابعة للأمم المتحدة. وسبق أن رضخت المنظمة الدولية للضغوط السعودية العام الماضي، وتراجع الأمين العام للمنظمة حينها، بان كي مون، عن قرار إدراج دول تحالف العدوان ضمن القائمة.
ويواصل تحالف العدوان استهداف مختلف المحافظات اليمنية، إذ أعلنت وكالة الأنباء الرسمية «سبأ»، أمس، «سقوط 34 غارة على عدد من محافظات الجمهورية... وتعرّض الأراضي الزراعية في مديرية باقم في محافظة صعدة لقصف صاروخي سعودي».
وبالإضافة إلى القصف الجوي، يعاني اليمنيون من وطأة الحصار المفروض، الذي تسبب في انتشار وباء الكوليرا نتيجة تدهور القطاعين الصحي والخدماتي. وفي هذا السياق، أعلنت منظمة الصحة العالمية، أمس، أنها «سجلت منذ 27 نيسان الماضي، 745 ألفاً و205 حالات يشتبه في إصابتها بالكوليرا، مع رصد 2119 حالة وفاة، في 22 محافظة يمنية من أصل 23، وفي 304 مديريات من أصل 333»، مضيفة أن «محافظة الحديدة هي الأولى في عدد الإصابات (98 ألفاً و381 حالة)، في الوقت الذي شهدت فيه محافظة حجة العدد الأكبر من الوفيات (398 حالة).
بدوره، قال منسق الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية في اليمن جيمي ماكغولدريك، أمس، إن «الشعب اليمني يكافح للبقاء على قيد الحياة»، مؤكداً أن المأساة الإنسانية «ليست من صنع الطبيعة، بل من صنع الإنسان».
والشهر الماضي، كشفت وزارة حقوق الإنسان أن «القصف المباشر لتحالف العدوان أدّى إلى استشهاد 10 آلاف و373 يمنياً، بينهم 2130 طفلاً و1813 امرأة»، فيما «تسببت تداعيات الحصار، كانعدام الأدوية وانتشار الأوبئة، في وفاة 247 ألف مواطن».