«تحديثٌ» جديد للتفاهمات الروسيّة ــ الأميركيّة في شأن دير الزور. التنسيق المستمر بين الطرفين لم يتأثّر بالتطورات التي شهدتها المحافظة في خلال الأسبوع الأخير، بما فيها الاستهداف الجوي الذي تعرضت له «قوات سوريا الديمقراطيّة»، الذراع البرية لـ«التحالف» الأميركي، والرمايات الناريّة التي تعرّضت لها قوات الجيش السوري في خلال تقدمها شرق الفرات.
الحادثتان وُضعتا «على الرّف»، وسط إصرار موسكو وواشنطن على الحؤول دون أي اصطدام بين الجيش السوري وحلفائه من جهة و«قسد» من جهة أخرى، والحرص على تطويق أي حادثة ومنع تضخّمها. ورغم أنّ واشنطن كانت قد سعت إلى فرض «خطوط حمر» تحول بين الجيش وعبور نهر الفرات، غير أن قراراً سوريّاً كان قد اتّخذ قبل فك الحصار عن مدينة دير الزور يقضي بعدم إيقاف العمليات، والسعي إلى العبور إلى الضفة الشرقيّة في أسرع وقت ممكن. «العبور» الذي أشارت «الأخبار» إلى إدراجه في أولويات الجيش قبل أسبوعين (العدد 3268) أُنجز «في زمن قياسي، وهو مقدمة لخطوات أكبر»، وفقاً لتأكيدات مصدر ميداني سوري. ولعبت الخطوة دوراً محوريّاً في نسف المقاربة الأميركية لمعركة دير الزور، وهي مقاربة كانت تقوم في الدرجة الأولى على عدّ نهر الفرات خطّاً فاصلاً بين مناطق سيطرة الجيش ومناطق سيطرة «قسد» المدعومة أميركياً.

نجاح أيّ طرف
في السيطرة على
أحد موارد الطاقة يعني احتفاظه به
في هذه المرحلة
ويؤكد المصدر السوري لـ«الأخبار» أنّ «الأميركيين هدّدوا باستهداف أيّ قوات سورية تعبر النهر، لكن ذلك لم يؤثر في خيارات الجيش». ويبدو أنّ الإصرار السوري قد أثمر تسليماً أميركيّاً أسهمت فيه معطيات عدّة، على رأسها أنّ واشنطن ما زالت ميّالة إلى تجنّب الانخراط في مواجهات مفتوحة ومباشرة ضد الجيش السوري وحلفائه، علاوة على وجود جناح مؤثر داخل «قسد» رافض للدخول في معارك من هذا النوع. وكانت «قسد» قد أكّدت لـ«الأخبار» التزامها بـ«ما يتفق عليه الروس والأميركيون». وقال المتحدث الرسمي طلال سلو إنّ «الأمر في عهدة الطرفين الروسي والأميركي، وهناك لقاءات بين الطرفين بغرض تطويق أيّ أزمة تعيق محاربة الإرهاب». سلو أكّد أنّ «موضوع عبور الجيش إلى شرق الفرات هو من ضمن الأمور التي سبق أن توافق الطرفان على عدم حصولها، وحالياً يبدو أن الطرفين يبحثان في صيغٍ أخرى لضبط التفاهمات». وتؤكد مصادر واسعة الاطلاع لـ«الأخبار» أنّ «أحدث نسخة من التفاهمات الروسية الأميركية حول دير الزور جدّدت التزام الطرفين بمنع الصدام بين حلفائهما على الأرض».
ووفقاً للمصادر ذاتها، فقد شدّدت التفاهمات على «عدم محاولة حليف أي من الطرفين منعَ الطرف الآخر من مهاجمة مناطق تخضع لسيطرة تنظيم «داعش» المتطرف وتحريرها منه، شريطة ألا تكون تلك المناطق مسرح عمليات للطرف الآخر». ورغم أنّ هذه التفاهمات قد تسهم في منع الصدام بين الطرفين (أقلّه في المرحلة الراهنة)، غير أنّها تفتح في الوقت نفسه الباب أمام سباق متسارعٍ بينهما للسيطرة على «تركة داعش». وضمن هذا السياق تبرز الحقول النفطية والغازية بوصفها الهدف الأثمن، لا سيّما أن نجاح أيّ من الطرفين في السيطرة على أحد موارد الطاقة تعني احتفاظه به إلى أن «تدق ساعة الحقيقة» فارضةً إيجاد تسوية ما، أو تفجير معارك قد تكون غير مسبوقة في مشهد الحرب السوريّة. وتحوي دير الزور عدداً من أكبر حقول النفط السورية، مثل التنك (بادية الشعيطات) والعمر (شمال شرق الميادين)، علاوة على معمل غاز كونيكو (ريف دير الزور الشرقي). ويعدّ الأخير واحداً من أهم مصادر الغاز السوري، وسيطر عليه التنظيم المتطرف في أيار 2014. وتضاربت الأنباء أمس حول تنفيذ إنزال جوي في المعمل، كما حول هويّة الجهة التي نفّذت الإنزال. وقالت بعض المصادر إنّ الإنزال سوري روسي، فيما أكدت مصادر أخرى أنه إنزال أميركي. وفيما تحفّظت مصادر «قسد» على الإدلاء بأيّ معلومة في هذ الإطار، أكدت مصادر سوريّة لـ«الأخبار» أنّ «العلم السوري سيرتفع فوق المعمل، وسيتم الكشف عن التفاصيل رسميّاً في الوقت المناسب». وعلاوة على الأهمية الاقتصادية الاستثنائية للمعمل، تعدّ السيطرة عليه خطوة مهمة في سباق النفوذ المتسارع شرق الفرات. ومن المتوقع أن تحظى المناطق الشمالية شرق الفرات بأولوية سورية في خلال المرحلة الراهنة في مسعى لترسيم خطوط سيطرة تحدّ من اندفاعة «قسد»، لا سيما أن الأخيرة واصلت أمس تقدمها على حساب «داعش» في محيط المدينة الصناعية، وسط مؤشرات على عزمها على فتح معارك متزامنة انطلاقاً من مناطق سيطرتها في دير الزور والحسكة لطرد التنظيم من الخط الممتد بين مركدة (ريف الحسكة لجنوبي) والصور (ريف دير الزور الشمالي الشرقي) والحجنة (ريف دير الزور الشرقي). على صعيد متصل، حقق الجيش السوري أمس تقدماً لافتاً في الريف الغربي لدير الزور (غرب الفرات) عبر سيطرته على مجموعة من القرى والمزارع في محيط بلدة التبني. ومن شأن هذا التقدم أن يمهد لسيطرة الجيش على كامل الضفة الغربية للفرات، وصولاً إلى معدان في ريف الرقة الجنوبي الشرقي، التي شكّلت حتى الآن معقلاً حصيناً لـ«داعش».