قد يكون من المبكر صدور مقاربات إسرائيلية رسمية، أو من معاهد الأبحاث، لدراسة واستشراف الفرص والتهديدات الكامنة في المستجد السياسي الفلسطيني الأخير، القاضي بحل حركة «حماس» لجنتها الإدارية ودعوتها السلطة إلى تسلّم الحكم في غزة، لكن القليل الذي صدر على لسان معلقين كافٍ لتكوين صورة عامة عن الانطباع الأوّلي.
في هذا الانطباع، يظهر أن القرار «خطوة إلى الوراء بهدف الالتفاف على الضغوط التي تواجه غزة، ومحاولة للتخفف من مسؤولية الإدارة، والتخفيف من الضغط القائم على المدنيين... واستكمال هذا المسار يعني عودة الرئيس الفلسطيني محمود عباس إلى القطاع، مع كل ما قد يترتب على ذلك من نتائج إدارية وسياسية وأمنية».
على خلفية الاهتمام الإسرائيلي بهذا الحدث، ذي الدلالات السياسية والأمنية، لم ينتظر طويلاً معلق الشؤون العربية في القناة الثانية، ايهود يعري، كي يجمل تقديره لخلفيات وأهداف الحركة من وراء هذه الخطوة، بالقول إن قادة «كتائب القسام» يريدون تحويل «حماس» إلى «حزب الله قطاع غزة»، بمعنى أن تحمي قوى المقاومة القطاع وتمارس العمل المقاوم ضد الاحتلال، وفي الوقت نفسه من دون السيطرة على الحكم وتجنّب المسؤولية المباشرة عن الشؤون المدنية لسكان غزة.
على خط موازٍ، رأى معلق الشؤون العربية في موقع «واللا» العبري، آفي يسسخروف، أن قرار «حماس» بمنزلة «إزالة للّغم»، ويهدف إلى «النزول عن الشجرة» التي صعدت عليها منذ سيطرتها على القطاع، إضافة إلى أن هذه الخطوة هي «توريط لعباس»، وفق وصف يسسخروف.
بالعودة إلى يعري، فقد أوضح أنه قبل بضعة أشهر اتخذت «القسام» قراراً أن من الأفضل للحركة التنازل عن إدارة الشؤون المدنية، مؤكداً أن هذا المسار مدعوم من إيران وحزب الله. ونقل عن رئيس المكتب السياسي السابق لـ«حماس» خالد مشعل قوله مطلع السنة الجارية، خلال كلمة في قطر، إن الحركة أخطأت عندما سيطرت عام 2007 على غزة.
وأوغل المعلق في القناة الثانية في خلفية قرار الحركة، وحاول تحليل بعض جوانبه بالقول إن «حماس لا ترى ميزة في استمرار تحمّلها المسؤولية لتوفير الخدمات للسكان في ظل الوضع الاقتصادي المتفاقم، وعدم توافر الرغبة لديها في إدارة حياة عشرات آلاف الموظفين والعيش في ظل الحصار الذي فرضه الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي»، مشيراً بذلك إلى أن «ضغط الحصار وتفاقم الوضع في القطاع هما اللذان دفعاها إلى مثل هذه الخطوة».
وأضاف يعري: «حماس ترى في ظل هذه الظروف أن من الأفضل لها التركيز على بناء قدراتها العسكرية والإبقاء فقط على الشرطة وجهاز الأمن الداخلي، من أجل منع تعاظم خصومها السياسيين». في هذا السياق، لفت يعري إلى أن «حماس» سمحت في الأسابيع الأخيرة لمسؤولين رفيعي المستوى في «فتح»، من جماعة محمد دحلان في القطاع، بأن يكون لهم موطئ قدم في مخيمات اللاجئين حيث يقومون بنشاطات اجتماعية. والآن باتت «حماس» مستعدة للسماح للرئيس عباس – إذا ما أراد – بأن يتحمل مسؤوليته في إدارة الحكم المدني في القطاع.
مع ذلك، نقل يعري أن «أبو مازن» نفسه غير متحمّس للفكرة، وذلك على خلفية غياب استعداده لأن يكون «مقاولاً ثانوياً» لـ«حماس» في تحمّل المسؤولية عن السكان المدنيين، في الوقت الذي تبقى فيه الحركة الحاكم الفعلي في القطاع. لكن الضغط المصري عليه لإرسال رجاله إلى القطاع، فرض عليه الدخول في مفاوضات مع الحركة، والنتائج غير معروفة مسبقاً.
في ضوء ذلك، خلص معلق الشؤون العربية إلى أن الرئيس الفلسطيني يواجه أزمة لأنه لا يريد أن يبدو كرافض للتسوية. ورأى أيضاً أنه في هذه الأثناء تربح «حماس» من المصالحة مع مصر، عبر توسيع التعاون ضد «داعش» في سيناء وزيادة عدد الساعات التي يبقى فيها معبر رفح مفتوحاً. أما عن إسرائيل، فادّعى يعري أنها تقف جانباً من دون أن تحاول التأثير في مسار التطورات.