نجحت السلطات السعودية في الانقضاض على حراك «15 سبتمبر» قبيل إبصاره النور على أرض الواقع. نجاح يحمل رسالتين أساسيتين: أولاهما أن الرياض لا تزال تملك العدة والعتاد اللازمين لقمع أي محاولة احتجاجية على سياساتها الداخلية، والأخرى أن تلك الجاهزية عالية المستوى، بالذات، هي ما يحتم على الشخصيات المعارضة، وخصوصاً منها الموجودة في الخارج، ابتداع أدوات جديدة لاختراق ذلك الجدار الصلب ولو خطوة خطوة، والتقليل من رهاناتها على موقف عاطفي يقلب الأمور رأساً على عقب بين ليلة وضحاها.
أساليب متعددة لجأت إليها السلطات لوأد الحراك في مهده، تنوعت ما بين التهديد والتحريم والتعزيزات الأمنية وضرب تحركات المعارِضين الافتراضية. حتى قبيل فترة وجيزة من الموعد الذي كان مقرراً للتظاهرات، ظلت الرياض محافِظة على أعلى مستويات التحريض والتهويل. تجلى ذلك بوضوح في خطبة الجمعة التي ألقاها إمام مسجد الملك عبد العزيز في الرياض، التي حذر فيها المواطنين السعوديين من التظاهر، واصفاً «الجماعات التي تدعو إلى الحراك السياسي، والتي تسعى إلى الحكم»، بأنها «كلها تُعدّ باطلة ومنحرفة، وتأتي على رأسها جماعة الإخوان المسلمين».
وسبقت تلك التحذيرات سلسلة مواقف بدأها مفتي السعودية، عبد العزيز آل الشيخ، الذي حرّم الدعوات إلى «حراك 15 سبتمبر» بدعوى أنها «دعوات كاذبة دجالة، تقوم بها فئات حاقدة»، لتكرّ عقب ذلك سبحة التغريدات المشنِّعة على الحراك ومطلِقيه. من الشيخ محمد العريفي إلى عبد العزيز الفوزان إلى صالح المغامسي وغيرهم، تتالت التحذيرات من «الفتن» و«خطوات الشيطان» و«دعوات الجاهلية». تغريدات ترافقت مع حملة أطلقها «الجيش الإلكتروني» الموالي لأجهزة الأمن السعودية لضرب وسم «#حراك_15_سبتمبر»، الذي تصدر قائمة الوسوم الأكثر تداولاً في السعودية خلال الأيام الماضية، بسيل من التغريدات المضادة.
هذا الاشتغال المكثف في الجانبين الدعوي والإلكتروني صاحبه جهد كبير في تخويف المواطنين من كسر حاجز الصمت. فبعد البيانات المتتالية لوزارة الداخلية بشأن حضّ المواطنين على الإبلاغ عن أي أنشطة «تحريضية» على مواقع التواصل الاجتماعي، وتذكير النيابة العامة «الرعايا» بعواقب «تعريض الوحدة الوطنية للخطر... أو الإساءة إلى سمعة الدولة»، دفعت السلطات بتعزيزات أمنية مكثفة إلى الشوارع، في محاولة لخلق حالة ردع إزاء كل من تراوده فكرة التظاهر. ردع كانت أسهمت في تشكله، بطبيعة الحال، حملة الاعتقالات التي شنتها السلطات خلال الأيام الماضية، والتي استهدفت دعاة ومفكرين ورجال دين، في ما قالت منظمتا «هيومن رايتس ووتش» و«العفو الدولية»، أمس، إنه «حملة منسقة ضد حرية التعبير».
وفيما أكدت «هيومن رايتس» أن حملة الاعتقالات «تنطوي على دوافع سياسية»، معتبرة أنها «تظهر «غياب أي تسامح من السعودية تجاه المواطنين الذين يعبرون عن آرائهم بخصوص حقوق الإنسان والإصلاح»، أفادت «أمنستي» بأن حملة الاعتقالات هذه هي الأكبر خلال أسبوع واحد منذ سنوات، متحدثة عن توقيف أكثر من 20 شخصاً واقتيادهم إلى جهات غير معلومة، لافتة إلى أن «أوضاع حقوق الإنسان في المملكة تراجعت منذ إعلان الأمير محمد بن سلمان ولياً للعهد في يونيو».
كل تلك الإجراءات أسهمت في إضعاف الدعوات إلى «حراك 15 سبتمبر»، وولّدت خوفاً بائناً من مغبة النزول إلى الشارع. إلا أنه، مع ذلك، بدا واضحاً، من خلال حالة «شبه الطوارئ» التي أعلنتها السعودية، أن الدعوات إلى التظاهر تمكنت من النفاذ إلى قصر «الملك الصاعد»، وتشكيل حالة «فوبيا» من أي تطورات أمنية غير مرغوبة في وقت تشتد فيه حاجة ولي العهد إلى الاستقرار. وهذه النتيجة، على تواضعها، تفتح الباب على نتائج أبعد، إذا ما انتظم الحراك المعارِض في نسق أكثر وضوحاً.
(الأخبار)