دمشق | لم يتوقع عصام النوري (مدير بنك سابق) أن يعثر على صورة قديمة له ضمن مجموعة الكشافة تعود إلى عام 1950، على جدار جناح للصور في معرض كتاب دمشق الفائت. كانت مشاعر الرجل الدمشقي تفوق الوصف، فقد عثر على جزء من ذكرياته في مكان ما كان ليتوقعه. هذا المشهد جزء من سباق صارخ مع الزمن يخوضه 3 أشخاص، هم المخرج المصري محمود عدوي والفنان التشكيلي مازن الرواس، إلى جانب علاء أبو فراج، مسؤول الموقع الالكتروني الذي يضم أرشيف المبادرة المسماة «savepics».
خلال 5 أشهر تحرك الثلاثة، على أمل أن لا تضيع صورة جديدة أو يتلف ألبوم ثمين. ومع استعار الحرب، كان هناك أرشيف بصري ضخم يتلف في المناطق المتأزمة، ما شكل دافعاً لهؤلاء المغامرين من «حراس ذكريات السوريين» إلى المضي في رحلة بحث عن الصور في سوق الحرامية وأماكن عرض أغراض «التعفيش». صور مسودّات وأُخرى براويز قديمة لصور بالأبيض والأسود، هذه هي أهداف هؤلاء الشبان، إذ إنهم يعون جيداً حقيقة محاولات إهدار ما له علاقة بالهوية البصرية للمجتمع السوري.

بدأ العمل، وفق محمود عدوي أحد مؤسسي المبادرة، بالأرشيف المتوافر لدى الناس بدءاً من الدائرة الضيقة، وصولاً إلى الزملاء والمعارف، ليتم التخطيط لاحقاً وفق آليات أكثر تنظيماً. الصدفة قادت أحد أعضاء الفريق، مازن، إلى العثور على 10 آلاف شريحة من مسودات الصور في مكب للبلاستيك، كان من المفترض أن تذهب إلى مصانع إعادة التدوير. وكان التوجه بعدم الاحتفاظ بالأصل بل إعادته إلى أصحابه الأصليين إن وجدوا، بعد سحب الصور لعرضها مع مراعاة خصوصية المراحل الزمنية السابقة. وكان هذا جزءاً من مسؤولية أعضاء فريق المبادرة تجاه الصور. يقول عدوي: «نحن بحاجة إلى قوانين تساعدنا. جربنا التواصل مع أعضاء مجلس الشعب، بهدف سن قوانين تجرّم كل من يتلف ويتاجر في الصورة. البعض امتهن بيع أرشيفات الصور من استوديوهات قديمة».
وبحسب عدوي، «لا قانون يمنعك من بيع صور جدك أو أهلك، حتى ولو كان عمر الصورة أكثر من 50 عاماً، ما ينبغي أن يسقط عنها الملكية الخاصة، لتتحول إلى جزء من تراث المجتمع». ويرى عدوي أن من حق أي كان الاحتفاظ بصور قديمة لأجداده، شرط ألا يتاجر بها. ومن خلال زيارة بعض النواب السوريين لجناح المبادرة في معرض كتاب دمشق، فقد تجاوبوا مع الخطوة بعد نقاش الأعضاء، وطلبوا تقديم مذكرة وفكرة قانون باسم المبادرة بهدف تقديمه إلى اللجنة التشريعية، لمعرفة مدى إمكانية سن قوانين كهذه.
يعرف أعضاء المبادرة أن الفكرة تبقى فكرة من غير ضغط مجتمعي، ما يعني ضرورة أن يكون المجتمع شريكاً في الحفاظ على التراث. المشاركة في معرض الكتاب كانت نقطة تحول في وجود المبادرة. إذ كان مهماً بالنسبة إلى الفريق أن يستمع إلى آراء الناس في الموضوع الذي يمنحونه جلّ وقتهم بإيمان مطلق. وإذ دخلوا المعرض منتظرين بتفاؤل الحصول من الناس على صورة واحدة، فانتهى المعرض وقد جمعوا 800 صورة.
الرقم ليس كبيراً بالمقارنة مع أرشيف الفريق الكامل الذي تجاوز 12 ألف صورة، في حين وصلت المسودات وحدها إلى نحو 10 آلاف.
ضمن مساحة لا تتجاوز مترين في متر تواجد مجموعة من الأطفال ضمن زيارة مدرسية إلى جناح الصور في المعرض. معظمهم من «مواليد الحرب» أو ما قبلها بفترة قصيرة. بدأ الأطفال التأمل في صور مجتمع سابق لم يروه من قبل، ولم يقع في صلب اهتمامات أهاليهم، بحكم أولويات مجتمع الحرب. يتلمسون تاريخ الأجداد وملامحهم بأيديهم ويتفرجون على مسودات تحمل ذكرياتهم، محاولين فهم آلية الحصول على الصور منها، وهو ما شكل لحظة مؤثرة لأعضاء الفريق. إجابات ما كان المبادرون يمكن أن يحصلوا عليها رداً على أسئلة صعبة، أن هذه الصور ضد مشروع الجماعات المتطرفة، والتي من مصلحتها إخفاء ملامح المجتمع السابق لوجودها، كجزء من السياق العام لتشويه أي مشروع تنويري في أي بلد. ووفق عدوي، فمن الممكن أن يُكتشف لاحقاً أن ألبومات بأكملها احترقت على أيدي الجماعات المسلحة، إذ إن مشروع هذه المجموعات خلق شكل جديد لمجتمع يناسبها.


وفيما يُنتظر أن تكون المبادرة رسمية وبرعاية وزارة الشؤون الاجتماعية، فإن هدف الفريق إنشاء متحف يتبنى أنشطة متعلقة بالتدريبات ورفع الوعي «في ظل عدم وجود متحف صور في العالم، باعتبار الصور أحدث أثر إنساني ما يلغي الاهتمام بها»، وفق تعبير عدوي. ويضيف الأخير بحماسة: «هدفنا الضغط على (اليونسكو) للاعتراف بالصورة كجزء من التراث البصري العالمي المعرض للخطر، ما يعني ضرورة الضغط على الحكومات من أجل وضع هذا التراث قيد الحفظ والحماية. الأرشيف البصري في دول مثل ليبيا والعراق واليمن أيضاً معرض للخطر كجزء من التراث الإنساني». ويتابع قائلاً: «لدينا صور لدير الزور قديماً. لا نعتقد أننا سنرى لاحقاً دير الزور ذاتها التي رأيناها في هذه الصور». ويعتبر عدوي أن المقاومة داخل الوطن ليست بالسلاح فقط، بل إن المقاومة الاجتماعية والثقافية مهمة أيضاً، بما أنها ترسّخ الشعور بالانتماء.

أكبر الصعوبات التي تواجه المشروع هي التواصل مع الناس في المناطق الساخنة

من أكبر الصعوبات التي تواجه المشروع التنقل والتواصل مع الناس قرب المناطق المتأزمة، ما يتطلب إنشاء معارض قريبة منهم. كما أن بعض المهاجرين واللاجئين إلى أوروبا حملوا معهم بعض الصور، ما يعني أن عليهم حفظها إلكترونياً كي لا تتلف، وفق ما ينصح عدوي. ويضيف أن بعض الصور لا أصحاب لها، ما يتطلب من الفريق عرضها على موقع المبادرة الالكتروني، علّ أصحابها يعثرون عليها..
حافظ المجتمع على نمطية تفكيره بالاهتمام بصور الأماكن عبر التاريخ، إنما يهتم الفريق بالمكون البشري في الصورة، باعتبار المكان يمكن أن يعاد بناؤه، إنما من المستحيل الحصول على الإنسان ذاته، بل مجرد ذكراه. ويقول عدوي: «ننتظر من المجتمع أن يكون إيجابياً. البعض يسخر من مبادرتنا. إنما كنا نرى الذين يدخلون إلى جناحنا في المعرض مبتسمين كما لو كانت ابتسامة المفاجأة السعيدة. والابتسامة في زمن الحرب غالية».