بعد استنكار قطري مباشر للبيان الموقّع باسم رباعي المقاطعة وأجواء بيّنت عدم رضا الدول الأربع عن المبادرة الكويتية، خرقت الدوحة الأجواء المتوترة عبر اتصال أجراه أميرها تميم بن حمد آل ثاني مع ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، كشف عنه في وقت متأخر من ليل أمس. الاتصال وفق ما نقلت وكالة الأنباء السعودية، تضمّن رغبة واضحة من الجانب القطري في الجلوس إلى طاولة الحوار و«مناقشة مطالب الدول الأربع بما يضمن مصالح الجميع». ولفتت الوكالة إلى أن الطرح لقي ترحيباً من ابن سلمان، على أن يتم إعلان التفاصيل لاحقاً بعد مشاورات سعودية مع باقي رباعي المقاطعة.
ومن شأن الاتصال الأخير، الذي حيّد أيّ مستقبل للمبادرة الكويتية، أن يدخل الأزمة في مرحلة جديدة عنوانها «الحوار المباشر». وهو تطور يأتي بعدما عاد الزخم، وبقوة، إلى الأزمة، منهياً فترة ركود أو ما يشبه هدنة غير معلنة، ولو من طرف واحد (الرياض)، أثناء موسم الحج.
وكانت البيانات والبيانات المضادة والتصريحات المقابلة قد أعادت حماوة المشهد الخليجي، على وقع لقاء الوسيط الكويتي الأمير صباح الأحمد الجابر الصباح رئيس الولايات المتحدة دونالد ترامب، والذي تبعته موجة مواقف كان أخطرها كشف أمير الكويت عن نجاح تحركه في إبعاد الخيار العسكري لدى السعودية والإمارات ضد قطر بداية أيام الأزمة.
تصريح سارعت دول المقاطعة إلى نفي ما جاء فيه، معربة في بيان عن «أسفها» لحديث الأمير الكويتي حول وجود الخيار العسكري الذي قال البيان إنه «لم ولن يكون مطروحاً». وبدّد بيان «الرباعي» المقاطع للدوحة كل ما حملته مواقف أمير الكويت من تفاؤل وإيجابية وصلت حدّ طرح نفسه «ضامناً» لقطر وتأكيده، من واشنطن، أن القطريين على استعداد لتلبية المطالب الـ13 للرباعي. فقد أفرغ بيان الأخير هذه التصريحات من مضمونها من خلال اعتباره أن «تصريحات وزير الخارجية القطري بعد تصريح سموّ أمير الكويت تؤكد رفض قطر للحوار إلا برفع إجراءات المقاطعة التي اتخذتها الدول الأربع لحماية مصالحها بشكل قانوني وسيادي، ووضعه لشروط مسبقة للحوار يؤكد عدم جدية قطر في الحوار ومكافحة وتمويل الإرهاب والتدخل في الشأن الداخلي للدول»، في إشارة إلى التعليق القطري على اتصال ترامب بأمير قطر تميم بن حمد، وتأكيد وزير الخارجية محمد بن عبد الرحمن آل ثاني ترحيب الدوحة بالحوار والوساطة الكويتية شرط رفع الإجراءات التي يفرضها الرباعي على بلاده.
الواضح من لهجة بيان رباعي المقاطعة أن ثمة امتعاضاً من خطوة أمير الكويت وتصريحاته، وهو ما من شأنه وأد محاولات الرجل لإحياء مبادرته المتعثرة، رغم أن زيارته لواشنطن سبقها اتصال بين ترامب والملك السعودي سلمان بن عبد العزيز.
أما الدوحة، فاستنكرت بشدة البيان الموقّع باسم السعودية والإمارات، ومعهما مصر والبحرين، محاوِلة نفي الاتهامات برفضها للحوار، ومؤكدة، على لسان مدير المكتب الإعلامي للخارجية أحمد الرميحي، أن الاتهام الموجّه برفض الحوار «ينمّ عن قراءة غير دقيقة وإخراج لتصريحات وزير الخارجية (القطري) عن سياقها الصحيح». وجدد الرميحي نفي الدوحة «التدخل في الشؤون الداخلية للدول وتمويل الإرهاب»، مدافعاً عن تصريحات أمير الكويت، ومعتبراً أن ما تضمنه بيان الرباعي في هذا الخصوص «اجتزاء لتصريحات أمير الكويت الذي أكد عدم قبول المطالب التي تمس السيادة وإمكانية التوصل إلى حلول». وكررت الخارجية القطرية ترحيبها بالحوار في إطار «احترام سيادة الدول».
واللافت أيضاً في البيان التصعيدي للرباعي عدم استشارة القاهرة أو إخطارها بإصدار البيان، رغم إيراد اسمها في آخر لائحة الموقّعين على البيان. فقد علمت «الأخبار» أن وزارة الخارجية المصرية لم تُحَطْ علماً بالبيان الصادر باسم دول المقاطعة، بل فوجئت به عبر وكالة الأنباء السعودية، وهو ما أثار تحفظات في أروقة الوزارة، واستدعى إيصال رسالة تعبّر عن الاستياء إلى المسؤولين السعوديين، الذين بدورهم «أبدوا تفهّماً للموقف المصري»، مؤكدين أن «الأمر لم يكن مقصوداً، ولكن التحرك السريع كان وراءه». وأضافت المصادر أن الخارجية المصرية «أبدت تفهّمها للاعتذار السعودي»، وتم «تدارك الموقف صباحاً» عبر اتصال هاتفي لوزير الخارجية السعودي عادل الجبير بنظيره المصري سامح شكري.
في المحصّلة، يبدو أن أصحاب القرار في أبو ظبي والرياض كسبوا من الموقف التصعيدي في وجه قطر قبولاً من الدوحة بحوار مباشر معهم، على أن ذلك يترك الباب مفتوحاً على حالة التوتر في منطقة الخليج، في حال فشلت الخطوات الأولى لهذا الحوار، خصوصاً مع استمرار الإدارة الأميركية في سياسة عدم التدخل الجدي لحسم الخلاف.
(الأخبار)