أعاد وزير الخارجية السعودي عادل الجبير، يوم أمس، تحريك مياه الأزمة الخليجية الراكدة، بإطلاقه تصريحات أكدت ما دار حوله الحديث، أخيراً، من أن رهانات دول المقاطعة، في خلافها مع قطر، باتت على الزمن، لا أكثر، إذ قال من العاصمة البريطانية لندن إنه «لا ضير في حال استمر الخلاف مع قطر لعامين»، في إشارة إلى استعداد بلاده وحلفائها لاستطالة الأزمة، واطمئنانهم إلى أن ذلك لن يرتد سلباً على اقتصاداتهم، خلافاً للدوحة. اطمئنان تقابله السلطات القطرية بجنوح متزايد نحو الانعتاق من ربقة «الأشقاء»، وتعزيز الخيارات البديلة التي تتحسب لامتداد النزاع لأشهر طويلة.
هذا ما أوحى به، أمس، الحفل الرسمي الذي نظّمته قطر لتدشين أحدث موانئها وأكبرها بحضور أمير البلاد، تميم بن حمد آل ثاني، ومسؤولين ووزراء من دول مجاورة، بينها الكويت وسلطنة عمان. وبحسب ما أعلنته وزارة المواصلات القطرية، فإن الميناء الواقع في منطقة أم الحول جنوب الدوحة، والذي يحمل اسم «ميناء حمد»، يضم مشروعاً لتخزين السلع الغذائية بإمكانه توفير مخزون استراتيجي لثلاثة ملايين نسمة لمدة عامين. ووفقاً للوزارة أيضاً، فإن الميناء سيوفر 200% من احتياجات السوق المحلية، كما سيساعد في خفض كلفة الاستيراد، وسيستحوذ على 35% من تجارة الشرق الأوسط.

تعيين سفير فرنسا
السابق في السعودية مبعوثاً خاصاً إلى الخليج

وكانت السلطات القطرية قد شرعت في بناء «ميناء حمد»، الممتد على 28.5 كيلومتراً مربعاً، والذي يُعدّ أكبر من ميناءي قطر الآخرَين (الرويس في الشمال والدوحة في العاصمة)، في عام 2010، وأدخلته الخدمة بشكل أوّلي في أواخر عام 2016، وكان يُفترض أن تدشّنه في آذار 2017، إلا أنها سرّعت في ذلك لمواجهة تداعيات المقاطعة المفروضة عليها، توازياً مع افتتاحها خطوطاً بحرية جديدة تربط بين «ميناء حمد» ووجهات بحرية عدة، في مقدمها مدن في سلطنة عمان والهند. وتتوقع الدوحة أن تصل القدرة الاستيعابية للميناء، بعد إنجاز مراحله كافة، إلى 7.5 ملايين حاوية في العام الواحد، وأن يمثل «نقلة نوعية في تحقيق التنوع الاقتصادي، وتحسين القدرة التنافسية لدولة قطر بما يتواكب مع أهداف رؤية قطر الوطنية 2030»، كما جاء في بيان وزارة المواصلات.
وفي وقت كان فيه أمير قطر يفتح باباً جديداً على توفير خطوط نقل بحرية عالمية لبلاده، مجسّداً بذلك، عملياً، التحدي الذي أعلنه في خطابه الأول منذ اندلاع الأزمة (21 تموز الماضي)، أعاد وزير الخارجية السعودي تزخيم الهجوم على الدوحة، مطلقاً سلسلة تغريدات نفى فيها وجود حصار على قطر، ما استدعى رداً عنيفاً من الأخيرة. وقال الجبير، على حساب وزارة الخارجية في «تويتر»، إنه «لا يوجد حصار على قطر... ولا يمكن قبول أيّ دولة تدعم الإرهاب وتدعم العمليات الإرهابية إعلامياً... الدول كلها يجب أن لا تتسامح مع الإرهاب... ولن نتعامل مع دولة تدعمه وتتدخل في شؤون دول أخرى». وردّ مدير المكتب الإعلامي في وزارة الخارجية القطرية، أحمد الرميحي، على الجبير، مؤكداً، في تغريدة على «تويتر»، أنه «حصار مهما حاولتم التبرير، وسيبقى وصمة عار تلاحقكم».
ومع دخول الأزمة الخليجية شهرها الرابع، تتواصل المحاولات الدولية لإعادة وصل ما انقطع بين «الأشقاء»؛ فبعد إيفاد وزير الخارجية الأميركي ريكس تيلرسون مبعوثَين إلى منطقة الخليج للتوسط في الأزمة، وبعد حضور وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، بنفسه، مبدياً استعداد بلاده لدعم الوساطة الكويتية، أعلنت فرنسا اختيار سفيرها السابق في السعودية، برتران بيزانسنو، ليكون مبعوثها الخاص إلى الخليج. وقالت المتحدثة باسم وزارة الخارجية، أنييس روماتيه إسباني، إن «برتران بيزانسنو، المستشار الدبلوماسي للحكومة، سيذهب قريباً إلى المنطقة لتقييم الموقف، وأفضل السبل لدعم الوساطة، وتهدئة التوترات بين قطر وجيرانها».
ويأتي تعيين بيزانسنو بعد 3 أيام من مباحثات أجراها وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان في الدوحة، مع نظيره القطري محمد بن عبد الرحمن آل ثاني. وكان لودريان قد زار الدوحة في 15 تموز الماضي، ودعا، حينها، أطراف الأزمة الخليجية إلى الحوار، مبدياً استعداد بلاده لدعم الوساطة الكويتية. وعلى الرغم من الزخم المستجد الذي يحظى به الدور الفرنسي الراهن في المنطقة، إلا أنه لا يُتوقع أن يكون لجهود باريس كبير أثر في مسار الخلاف الخليجي، بالنظر إلى حدة المواقف التي يطلقها كلا طرفيه، واستعدادهما لشقاق مستطيل، بلغ حدّ تلويح الدوحة، قبل أيام، بالانسحاب من مجلس التعاون الخليجي، بقول وزير خارجيتها إن «لدينا ثقة في مجلس التعاون كمنظمة... لكن لا نعرف ما إذا كانت تلك الثقة ستستمر مستقبلاً...».
(الأخبار)