عمان | مأزق تمويلي يتربص بالمشروع النووي الأردني بعد أن وقع اختيار «هيئة الطاقة الذرية» الأردنية على شركة «روس أتوم» الروسية لتكون الشريك الاستراتيجي في بناء أول محطة نووية في المملكة وتشغيلها في السنوات العشر الأولى، إذ أبلغت الشركة عمّان بمتغيرات تتعلق بالشروط التمويلية، وسرعان ما ردّت «هيئة الطاقة» ببيان نفي، مؤكدة أن «روس أتوم لا تزال منخرطة في المشروع بكل جوانبه الفنية والمالية، وتقدمت أخيراً بعرض متكامل لبناء المحطة».
وكان خبر تغيير الشروط المالية قد أوردته صحيفة «إر بي كا» الروسية، كما نشرت صحيفة «الغد» الأردنية تقريراً يحمل المضمون نفسه، وعادت الأخيرة وردّت على نفي «الهيئة» التي يُعيّن رئيسها بقرار من مجلس الوزراء، قائلة إنها استقت النبأ نفسه من مصدرين حكوميين.
ووفق اتفاق سابق، كان المتوقع أن تبدأ هذه المحطة إنتاج الطاقة الكهربائية، للبلد الذي يعاني مشكلة في إمدادات الطاقة أدت به إلى الاتفاق على شراء غاز من إسرائيل، بحلول عام 2025، وذلك بمفاعلين كلفتهما عشرة مليارات دولار أميركي. ويشار إلى أن مذكرات التفاهم بين الطرفين أعطت حصة 50.1% للجانب الأردني، فيما حصلت الشركة الروسية على 49.9%.
«الأخبار» تواصلت مع النائب في البرلمان الأردني قيس زيادين، وهو عضو «لجنة الطاقة والثروة المعدنية»، لكنه قال إنه لا معلومات لديه عن الموضوع، وإن اللجنة لم تنعقد أصلاً بعد، والسبب أن «الدورة الاستثنائية لمجلس الأمة انتهت، ونحن بانتظار صدور الإرادة الملكية لعقد الدورة العادية الثانية للمجلس».

وفق العقود اختيرت لإقامة المحطة منطقة مأهولة بالسكان ولا أنهار فيها

وإذا صح انسحاب الجانب الروسي، يترتب على الجانب الأردني إيجاد بدائل للحصول على القرض اللازم، وهنا تكمن مشكلة تتمثل في كيفية حصول المملكة على قرض جديد، خاصة أن مديونية الحكومة كسرت حاجز 38 مليار دولار بدين يأكل 94% من إيراداتها. كذلك فإنها لن تتمكن من إقناع المصارف بتمويل مشروع طويل الأمد بمبلغ يمثّل ثلث مديونيتها، وهي تسير وفق خطة تقشف فرضها عليها «صندوق النقد الدولي» الذي يراقب بصورة مكثفة الأداء الحكومي، بل فرض شروطاً لمسها المواطن العادي بعد رفع الدعم عن بعض السلع وزيادة الضرائب، مع غلاء أسعار ملحوظ، عدا انخفاض القيمة الشرائية للدينار نتيجة للتضخم.
و«روس أتوم» موجودة في المنطقة بقوة عبر عقود ومذكرات تفاهم لتوريد محطات نووية في المنطقة و/أو توريد الوقود النووي، وذلك في كل من الأردن، ومصر، والإمارات العربية المتحدة، وتركيا وإيران. ولا شك في أن علاقة الحكومة الروسية، بصفتها مموّلاً عبر القروض والتسهيلات للشركة، دفعت باتجاه تقوية «روس أتوم» وجلعها منافساً لنظيراتها الصينية والكورية الجنوبية.
واللافت أن بيان «هيئة الطاقة الذرية» الأردنية تناقلته وسائل إعلام محلية من دون وجود نسخة عنه على الموقع الإلكتروني للهيئة. وجاء فيه أن «الهيئة ستستمر بدراسة جميع البدائل والخيارات المتاحة... وأن المفاوضات مع الطرف الروسي جارية للتوصل إلى أفضل الحلول التمويلية». لكن البيان شدد على «أن القرار النهائي يجب أن يراعي المصلحة الوطنية دون تحميل الخزينة أي تكاليف تزيد المديونية».
يعقّب الخبير الاقتصادي الأردني مازن مرجي بالقول إنه رغم «المعارضة الاقتصادية والبيئية للمفاعلات النووية (داخل المملكة)، فإن البرنامج جاء إرضاءً لجهات داخل الدولة وبعض شركات القطاع الخاص في مشاريع تستدعي قيوداً شديدة من المجتمع الدولي وإسرائيل». وأضاف: «المشروع النووي الأردني كغيره من المشاريع المشبوهة يبدأ بأفكار كبيرة تستدعي تمويلاً خارجياً، ثم تجبر الدولة على قبول الفكرة والتورط في ديون».
مع ذلك، يؤكد مرجي وجود مناقصات وعقود دولية أبرمت بالفعل لبناء محطة نووية أردنية (تحتوي على مفاعلين)، منبّهاً إلى أن مكان بنائها اختير في منطقة مأهولة بالسكان، والأنكى من ذلك أنه «لا يتوافر في تلك المنطقة مورد للمياه من أجل تبريد المفاعلين». أما عن نفي «هيئة الطاقة»، فقال إنه لا يعوّل على الحديث الرسمي الأردني، مستدركاً: «في حال انسحاب الروس من التمويل، سيكون الأردن في مأزق حقيقي أمام مشروع لا تستطيع الحكومة التراجع عنه بسبب الالتزامات والكوادر التي تعاقدت معها».
وفي تقرير آخر لصحيفة «إر بي كا» نفسها، فإن «روس أتوم» تعاني ضغوطات في مجال الاستثمار، إذ إن سوق بناء المفاعلات النووية في العالم تتقلص بصورة كبيرة، وقد لا تحصل الشركة على طلبات جديدة. ومن أجل ضمان استمرارها، على الشركة تحقيق 40% من أرباحها التشغيلية عن طريق مشاريع غير نووية، ولذلك تتجه إلى الاستغناء عن توريد المفاعلات واستبدال استثماراتها في تزويد المفاعلات القائمة بالوقود النووي وبعملية صيانة لها.
يذكر أن الأردن دخل ميدان التكنولوجيا النووية لإيجاد مصادر لتوليد الطاقة التي يستوردها، كما الحال مع اتفاقية الغاز مع العدو الإسرائيلي، لكن مراحل البرنامج النووي، التي تشمل استكشاف وتعدين اليورانيوم، والمفاعل الأردني للبحوث والتدريب في جامعة العلوم والتكنولوجيا الأردنية، وبناء محطة الطاقة النووية لتوليد الكهرباء، كلها لا تزال في بداياتها. والآن تأتي المشكلة التمويلية إلى جانب التحذيرات من التبعات الاقتصادية والبيئية لهذا المشروع، في وقت كانت فيه عمان قد تجاوزت المرفوض شعبياً بتوقيعها اتفاق الغاز مع إسرائيل.