يعدّ «المؤتمر الشعبي العام» في اليمن لفعالية حاشدة في شارع الستين في العاصمة صنعاء، لمناسبة الذكرى الـ35 لتأسيسه، وذلك يوم الخميس المقبل. في الحالات العادية، قد يكون الخبر عادياً وليس بحاجة إلى تعليق أو متابعة. لكن إقامة فعالية فئوية في ظل تصاعد العدوان السعودي على البلد، والطريقة التي حشدت بها قيادات «المؤتمر»، استفزتا الشريك الآخر في صنعاء (حركة «أنصار الله») وطرحا الكثير من علامات الاستفهام، ولا سيما أن ظروف الجبهة الداخلية تملي على كل الأطراف الوطنية وضع خلافاتها جانباً، والبحث عن مساحات الاشتراك لمواجهة العدوان وآثاره المدمرة في البلد.
مسؤولو «أنصار الله» يرون أن المؤتمر عمد منذ شهرين إلى استنفار وتحشيد قواعده الشعبية بطريقة موجهة نحو الداخل وليس الخارج، مع الاشارة إلى أن كل الفعاليات المليونية التي أقيمت منذ بداية العدوان في العاصمة لم يستغرق الإعلان عنها سوى أسبوع واحد، سواء الفعاليات المشتركة أو التي أقيمت منفردة من طرف واحد. ويؤكد مسؤولو الحركة أن «المؤتمر يستغل المعاناة الراهنة لخلق حالة تذمر ضدهم وتحميلهم مسؤولية ما يحدث، وهو ما يعدّ تبرئة لتحالف العدوان». إضافة إلى ذلك، يشارك في التحشيد إلى جانب قيادات في «المؤتمر» كل القيادات المؤتمرية المنشقة أو المفصولة، وكذلك الشخصيات التابعة لحزب «الإصلاح» الموجودة في السعودية.
في المقابل، دعت حركة «أنصار الله» إلى إقامة فعالية جماهيرية لدعم الجبهات وتعزيز حالة الصمود الاجتماعي في مواجهة الغزو الخارجي، وذلك على مداخل العاصمة في الوقت نفسه، وهي خطوة اعتبرت تصعيداً مقابل تصعيد «المؤتمر الشعبي العام». قيادتا الطرفين، زعيم «أنصار الله» السيد عبد الملك الحوثي، وزعيم «المؤتمر» علي عبدالله صالح، أطلّا على الشعب اليمني في الأيام القليلة الماضية، في خطابين منفصلين، فأبقيا على أجواء التصعيد مفتوحة، لكنهما فتحا باباً للحوار والتشاور والتنسيق.
جدير بالذكر أن الخلاف بين «أنصار الله» و«المؤتمر العام» خلاف تاريخي. لكن تحالفهما أملته الضرورة، وحاجة الطرفين أحدهما إلى الآخر كل وفق حساباته وظروفه. وقد بدأ التفاهم غير المكتوب بين الطرفين منذ دخول «أنصار الله» إلى صنعاء، واستمر مع بدء العدوان على اليمن. وقد عاد التحالف على الطرفين بالكثير من النفع والفائدة، وعزز الجبهة الداخلية مقابل التحالف السعودي ــ الإماراتي. وقد استطاع الطرفان اجتياز قطوعات صعبة ومهمة، وسجلا محطات مفصلية في تاريخ اليمن الحديث. وقد جاءت ثمرة تفاهمهما في المراحل الماضية كما يأتي:
ــ مواجهة الأطراف المرتبطة بالقوى الخارجية، خصوصاً المرتبطة بالسعودية، وتعزيز الجانب السيادي في البلد.
ــ اتفاق الشراكة والسلم الذي نصّ على إنهاء مفاعيل سيطرة «أنصار الله» على صنعاء والتوافق على حكومة الشراكة الوطنية برئاسة خالد بحاح أواخر عام 2014.
ــ موافقة الطرفين («أنصار الله» و«المؤتمر») على استقالة الرئيس عبد ربه منصور هادي.
ــ القرار المشترك في إزالة مفاعيل شرعية عبد ربه منصور هادي من كل المحافظات، بما فيها محافظات الجنوب ومطاردة الأخير إلى عدن.
ــ القرار المشترك في مواجهة العدوان (السعودي الإماراتي) والتصدي له وتعزيز الصمود الشعبي في مواجهته.
ــ الشراكة في تشكيل «المجلس السياسي الأعلى» برئاسة صالح الصماد.
ــ الشراكة في تشكيل «حكومة الإنقاد» في صنعاء برئاسة عبد العزيز حبتور.
ــ تشكيل وفد مشترك لإحياء المسار السياسي التفاوضي الذي مثل صنعاء في المفاوضات التي جرت في كل من: الكويت، جنيف، مسقط.
ــ الرفض المشترك و«العلني» لكل المبادرات، بما فيها مبادرة مبعوث الأمم المتحدة إسماعيل ولد الشيخ لتحييد ميناء الحديدة، التي تحتوي في مضمونها انتقاصاً لسيادة اليمن.
ورغم التوافق في العديد من المواقف التاريخية والمفصلية بين الطرفين، فإن تحالفهما لم يكن ضمن اتفاق نوقش بعمق ورفع إلى القيادتين للموافقة والتصديق عليه كاستراتيجية سياسية ووطنية ودفاعية. لذلك، بقيت الاجتماعات بين المستوى السياسي أو التنظيمي عاجزة عن إيجاد آليات تطبيقية في ترتيب العلاقة وتنظيم الاختلافات التي قد تحدث على الأرض، أو التباينات السياسية الطارئة.
أيضاً، لم تكن العلاقة بين «أنصار الله» و«المؤتمر الشعبي العام» مبنية على أرضية صلبة وأسس متينة، بل بقيت على الدوام عرضة للاهتزاز والتشكيك. ويُخضع كلّ منهما الطرف الآخر لامتحان المصداقية والثقة، وكثيراً ما وجه مسؤولو الطرفين، بعضهم إلى بعض، اللوم والتهم. وإن كان من المفيد الإشارة إلى أن قيادتيهما (السيد عبد الملك الحوثي وعلي عبدالله صالح)، اللذين لم يعلن أنهما التقيا، يحاولان دائماً التهدئة وتصويب الأمور باتجاه تعزيز الجبهة الداخلية في مواجهة العدوان.
من جهة أخرى، تبقى إشكالية «أنصار الله» المهمة مع «المؤتمر» هي المناورات السياسية للأخير وخشية الحركة من أن يستغل «المؤتمر» انشغالهم على جبهات القتال ويعمد إلى عقد تسويات سياسية مع جهات دولية أو إقليمية أو حتى محلية من دون موافقتهم أو علمهم، ويضعهم في موقف حرج على المستوى الوطني والسياسي. في هذا السياق، تنشط عادة دولة الإمارات للترويج لتفاهمات تمت أو أنها في مراحلها الأخيرة، وتستند تلك المناورات إلى قاعدة أساسية هي وجود اللواء أحمد صالح (نجل الرئيس السابق) في الإمارات. ورغم أن اللواء أحمد يقيم في أبو ظبي تحت إقامة شبه إجبارية ولا يسمح له بالمغادرة، فإن قيادة «المؤتمر» لم تفعل ما يلزم لإزالة الغموض في علاقته مع الإمارات.
ولعل الحروب الست التي شنّها النظام السابق برئاسة علي عبدالله صالح، المتحالف آنذاك داخلياً مع «الإصلاح» الإخواني وجناحه العسكري علي محسن الأحمر، وخارجياً مع السعودية، على «أنصار الله» في صعدة، تركت بالغ الأثر في نفوس القيادة والقاعدة في الحركة، ولم يستطع تحالفهما في وقت قياسي، منذ آخر حرب شنّت عليهم (الحرب السادسة)، إزالة الهواجس والمخاوف التي من المرجّح أن تستمر، وليس في وسع أحد معالجتها إلا مع مرور الزمن والعمل على استعادة الثقة.