أثار تقرير صحيفة «إسرائيل اليوم» عن دعم إيراني مباشر لانتفاضة القدس الجارية عاصفة سياسية في إسرائيل، إذ دعا العديد من الوزراء وأعضاء الكنيست إلى التحقيق في كيفية عمل جمعيات داخل فلسطين المحتلة بتمويل ودعم إيرانيين.
ومع أن الجمهورية الإسلامية في إيران تجاهر علناً بدعم القضية الفلسطينية وتوفر لذلك كل صور الدعم، فإن إسرائيل تحاول استغلال هذا الدعم بهدف تصوير الموقف الفلسطيني المعارض للاحتلال وإفرازاته كأنه «تبعية» لدولة أجنبية، وفي مواجهة «المعسكر السني»، بل تسعى كل جهدها للإيحاء بأن أي تحرك شعبي فلسطيني ومقاوم ليس نتاج رد فعل طبيعي على الاحتلال، بل هو امتداد لسياسة خارجية لدولة إقليمية، بعيداً عن الكفاح الذي يخوضه شعب يرزح تحت الاحتلال، فضلاً عن أن إرادة مقاومة الاحتلال متجذرة في واقع الشعب الفلسطيني وحياته منذ بدايات الهجرة الصهيونية إلى فلسطين، لكنها تحتاج إلى من يحتضنها ويوفر لها الدعم المادي والعسكري، وهذا ما تتجنبه أنظمة معسكر الاعتدال العربي، بل تسعى إلى منعه.

تريد تل أبيب القول إن الفلسطينيين يقاومون من أجل أجندات خارجية

يبدو أن هذه السياسة الإعلامية، التي تروج لها إسرائيل وإعلام معسكر الاعتدال العربي، تسعى إلى تحويل الدعم الذي يقدم إلى الشعب الفلسطيني كأنه فعل «مشبوه»، بل تطاول هذه الشبهة نفس الشعب والفصائل التي تتلقى هذا الدعم على خلفية أنها تريد مقاومة الاحتلال لأجندات خارجية وإقليمية من باب التبعية لهذا المعسكر والدولة، أو تلك. وهكذا، يتحول حرمان الشعب الفلسطيني الدعم إلى سلوك شريف يجسد إرادة الاستقلال العربي!
في هذا السياق، أعلن العديد من الوزراء وأعضاء الكنيست دعوتهم إلى إجراء تحقيق في عمل جمعيات «تتماثل مع الحرس الثوري الإيراني»، وكيف نجحت بالعمل في القدس تحت أنف الجهاز الأمني. ورأى مسؤول رفيع سابق في الجهاز الأمني والاستخبارات، في حديث إلى الصحيفة نفسها، أن الدعم الإيراني لعشرات آلاف المتظاهرين الفلسطينيين في ذروة أحداث الأقصى «كشف عن إخفاق استخباري وأمني خطير». وشدد ذلك المسؤول على أنه «ليس من المعقول أن يعمل رجال الحرس الثوري دون إزعاج في القدس، ولا تعرف أجهزة الاستخبارات بذلك». ووفق قوله، سيكون هذا الأمر أشد خطورة إذا تبين أن أجهزة الاستخبارات كانت تعرف عن التدخل الإيراني ولم تمنعه.
وكانت «إسرائيل اليوم» قد تحدثت في تقرير عن «تخصيص ملايين الشواكل لتوفير سلال أغذية تضمنت اقتباساً لمرشد الجمهورية الإسلامية (السيد) علي خامنئي»، تم توزيعها على عشرات الآلاف من الفلسطينيين الذين كانوا في الحرم القدسي وأزقة البلدة القديمة، واشتبكوا مع قوات الأمن والشرطة الإسرائيلية. وشدد التقرير على أن آلاف الفلسطينيين الذين امتلأت بهم أزقة البلدة القديمة حظوا كل عدة ساعات بالحصول على وجبات مغلفة تشمل أنواعاً مختلفة من الطعام والمشروبات، وحملت ملصقاً كتبت عليه عبارة معروفة لخامنئي: «بعون الله، فلسطين سوف تُحرر! القدس لنا»، وذلك على خلفية صورة قبة الصخرة والعلم الفلسطيني.
ونقلت الصحيفة عن وسائل إعلام فلسطينية قولها إن من وقف وراء توزيع الوجبات لآلاف الفلسطينيين في الحرم وفي محيطه جمعية تفعلها حركة شبابية إيرانية. كما نقلت «إسرائيل اليوم»، عن مسؤول في الأجهزة الاستخبارية الفلسطينية، قوله «من الواضح لنا أن السلطة في طهران، بواسطة أذرعها الطويلة، تقف وراء حملة التغذية هذه. والمقصود مبالغ تصل إلى ملايين الشواكل، والإيرانيون عثروا على ثغرة لتحقيق مكاسب وإمرار رسالة إلى الجمهور الفلسطيني، من تحت أنف إسرائيل، مفادها أن إيران تهتم بهم... الملصق الذي أرفق بالوجبات مع اقتباس مقولة خامنئي أوضح جيداً من وقف وراء وجبات الغذاء هذه».
إلى ذلك، أكد مصدر فلسطيني آخر للصحيفة أن نية الإيرانيين بتوزيع الطعام والشراب للمتظاهرين كانت معروفة لأجهزة الأمن الفلسطينية، لكنها لم تحوّل المعلومات إلى أجهزة الأمن الإسرائيلية بسبب تجميد التعاون والتنسيق الأمني. وقال هذا المصدر إن «مثل هذا الأمر ما كان ليحدث في منطقة تخضع للسيطرة الفلسطينية... ما كنا سنسمح للإيرانيين بموطئ قدم كهذا، لأنه ينعكس علينا برد دول عربية». وأضافت الصحيفة أيضاً أن ما حدث من دعم إيراني للمنتفضين الفلسطينيين لقي انزعاجاً في ديوان رئيس السلطة محمود عباس.