القاهرة | اعتمد الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، الموازنة العامة للجمهورية، مع أنها تتضمن بنوداً مخالفة للدستور الذي عدلته لجنة «الخمسين» العام الماضي، وينص في إحدى مواده على أن تضمن الدولة تنفيذ التزامها «تخصيص الحد الأدنى لمعدلات الإنفاق الحكومي على التعليم والتعليم العالي والصحة والبحث العلمي». وهذه المادة التي تحمل الرقم 238 تنص على أنه يعمل بها تدريجاً واعتباراً من تاريخ العمل بالدستور، على أن تلتزمه الحكومة كاملاً في موازنة الدولة للسنة المالية 2016 ــ 2017 حتى يصل الحد الأدنى للإنفاق على تلك المجالات إلى 6%.
أما الموازنة التي أقرت لهذا العام المالي الذي بدأ من مطلع تموز الجاري، فإن نسبة الإنفاق على التعليم بالناتج الإجمالي تدنت من 4.3% في العام المالي 2014 ــ 2015، إلى 4.1% في 2015 ــ 2016، بخلاف ما أقره الدستور، وهو ما يعني خفضاً تدريجياً لا زيادة مقابلة كما نصت المادة. وكانت الحكومة قد خفضت نفقاتها في موازنة 2015 ــ 2016 بنحو 30 مليار جنيه (100 دولار = 773 جنيهاً)، ليصبح عجز الموازنة 251 مليار جنيه بدلاً من 281 مليار جنيه، أي أنه جرى خفض عجز الموازنة من 9.9% إلى 8.9%، علما بأنه كان متوقعاً لعام 2014 ــ 2015 أن يكون العجز بنسبة 10.5%.
ووفقاً لبيان لمجلس الوزراء، فإنه جرى خفض مخصصات الأجور بـ 10 مليارات كاملة من 228 مليار جنيه إلى 218 مليار جنيه، كما تم خفض الإنفاق على التعليم 4 مليارات لتصل إلى 116 مليار جنيه، وأيضاً خفض مخصصات الصحة مليارين لتصل إلى 62 مليار جنيه، في حين خفضت مخصصات دعم الخبز والسلع التموينية بنحو 650 مليون جنيه.
البنود التي تم خفضها تأتي كلها مخالفة لنصوص الدستور وفي مقدمها الصحة، ولا سيما أن المادة «18» من الدستور نصت على أن على الدولة «تخصيص نسبة من الإنفاق الحكومى للصحة لا تقل عن 3% من الناتج القومي الإجمالي تتصاعد تدريجاً حتى تتفق مع المعدلات العالمية»، كما تلتزم الدولة «إقامة نظام تأمين صحي شامل لجميع المصريين يغطي كل الأمراض»، وينظم القانون في سبيل ذلك «إسهام المواطنين في اشتراكاته أو إعفاءهم منها طبقاً لمعدلات دخولهم».
أيضاً، فإن ثلاث مواد خصصها الدستور للتعليم المصري بأنواعه ونسبة الإنفاق عليها، ولكن الموازنة جاءت على عكس ذلك. وتنص المواد مجمعة على أن تصل نسبة الإنفاق على التعليم بدءاً من التعليم الإلزامي حتى الجامعي والبحث العلمي إلى 7%. مثلاً، تنص المادة 19 على أن تلتزم الدولة «تخصيص نسبة من الإنفاق الحكومي للتعليم لا تقل عن 4% من الناتج القومي الإجمالي، تتصاعد تدريجاً حتى تتفق مع المعدلات العالمية، فيما أن نسبة 2% تلتزم الدولة تخصيصها من نسبة الإنفاق الحكومي للتعليم الجامعي من إجمالي الناتج القومي وتتصاعد تدريجاً حتى تتفق مع المعدلات العالمية، وأخيراً تبقى 1% مخصصة للبحث العلمي وتتصاعد تدريجاً».
وكان وزير المال، هاني قدري دميان، قد قال إن الموازنة الجديدة تبلغ جملة المصروفات فيها للعام المالي 2015 ــ 2016 بعد التعديلات التي تمت نحو 868 مليار جنيه، أي بزيادة 17.4% عن المتوقع للعام المالي السابق، إذ تبلغ مصروفات فوائد الدين العام 244 مليار جنيه بزيادة 25% عن العام السابق. كما تبلغ مصروفات الدعم والمنح والمزايا الاجتماعية 231 مليار جنيه، أي بزيادة 31 ملياراً (بنسبة 15.4%) عن المتوقع العام السابق، وفي الوقت نفسه، أعلنت وزارة المال أنها تتوقع ارتفاع الدين العام إلى 323 مليار دولار خلال العام المالي 2015 ــ 2016.
جراء ذلك كله، أثارت النسبة المخصصة للصحة غضب نقابة الأطباء في القاهرة، التي وصفت في بيان أمس الزيادة المعلنة في نصيب الصحة من الموازنة العامة الجديدة بالوهمية، مؤكدة أنها تنذر بانهيار خدمات الرعاية الصحية. وطالبت النقابة الرئيس السيسي بالتدخل، لأن استمرار القطاع الصحي محروماً نصف ما يستحقه «يعني عدم الاهتمام بحق أصيل من حقوق المواطن التي كفلها له الدستور، وهو الرعاية الصحية».
وفي سابقة اقتصادية، فإن الجنيه المصري يسجل تراجعاً تاريخياً أمام الدولار الأميركي، إذ ارتفع سعر صرف الأخير أمس إلى 7.73 جنيهات. وهذه المرة الثانية، خلال الشهر الجاري، التي يرتفع فيها سعر الدولار أمام الجنيه، بمعدل 10 قروش في كل مرة، منذ استقراره عند 7.53 جنيهات مطلع شباط الماضي، وذلك لتوفير السيولة.