تريد إسرائيل من الجانبين، الروسي والأميركي، تحقيق مصالحها في سوريا، وكأنها وحلفاءها انتصروا في الحرب. نعم هي تراجعت عن مطلب «رحيل الأسد»، ربطاً بأن هذا المطلب تجاوزته الحقيقة الميدانية وميزان القوة الفعلية على الأرض، لكنها تريد أن يشمل الاتفاق مطالب أخرى تعطيها جزءاً كبيراً مما كانت تطمح إليه عبر إسقاط الرئيس بشار الأسد.
مما نقل عن رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو وغيره من المسؤولين، يجب أن يتضمن الاتفاق: منع إعادة ترميم الصناعات العسكرية السورية. منع الوجود العسكري الإيراني في سوريا، بما يشمل حزب الله. أن تكون الجهة الضامنة للاتفاق من خلال نشر قوات عسكرية مراقبة، غير روسية، مع تفضيل الجانب الأميركي بوصفه الحليف الأوثق والأكثر مراعاة لمصالح تل أبيب، ما أمكنه ذلك.
في معاينة المطالب الإسرائيلية، الواضح أن الشغل الشاغل لتل أبيب، كما كان دائماً، هو حضور وتعزيز حضور أعدائها في سوريا، بما يمكّنهم من إيجاد «قوس شمالي» بحسب تعبير نتنياهو، يشكل تهديداً غير مسبوق. من جهتها، ضم التهديد المتشكل في سوريا، في أعقاب انتصار المحور المعادي فيها، إلى التهديد القائم في لبنان، قد يؤدي إلى إيجاد ميزان قوة معاد، يمنع عنها إمكانية تحقيق إرادتها بالقوة العسكرية في الساحتين... وهي فرضية سيئة جداً لإسرائيل لأنها تعني انتفاء القدرة على تحقيق المصالح، ربطاً بانتفاء أو تعذر تفعيل الخيارات العسكرية، وصدقية التلويح بها، كعنصر فاعل في فرض المعادلات.

«هآرتس»: الجهة الضامنة للاتفاق لم تُحسَم بعد

هذا التهديد يضغط على إسرائيل ويدفعها إلى طلب تعديل الاتفاق المتبلور بين الروس والأميركيين، تجاه الساحة السورية، الذي تقول إنه لم يراع مصالحها، بل تؤكد أنه تجاهلها، رغم إعلام الطرفين، كما يرد من تل أبيب، حقيقة هذه المصالح والتشديد عليها. لكن في الوقت نفسه، تدرك تل أبيب أنها غير قادرة على الوقوف في وجه الجانبين، وأقصى ما يمكن أن تطمح إليه هو أن تطلب تعديلات على الاتفاق، رغم علمها المسبق بأن النتيجة ستكون مسقوفة بحقائق ونتائج المعركة الميدانية، التي باتت واضحة جداً: انتصار سوريا وحلفائها... أما أن تقدم هي على عرقلة الاتفاق، فهي مهمة تفوق قدراتها الذاتية.
مع ذلك، الاتفاق الروسي ــ الأميركي يدخل حيز التنفيذ، ابتداء من الجنوب السوري: المراقبون الروس ينتشرون في المنطقة، ووقف إطلاق النار شبه تام فيها، فيما تشير أنباء متقاطعة، أميركية وإقليمية، إلى أن «التحالف الدولي»، أي الجانب الأميركي، أوعز إلى الفصائل المسلحة المرتبطة به، مباشرة أو بالواسطة، بما يشمل جنوب سوريا والبادية، وصولاً إلى الحدود العراقية، منع توجيه السلاح إلى الجيش السوري، ورفع الغطاء عن أي فصيل يخرج عن هذه التوجهات، كما طلب من الفصائل تسليم سلاحها الثقيل: صواريخ ضد الدروع، الراجمات الصاروخية، المدفعية الثقيلة وغيرها.
لكن في موازاة الاتفاق وبدء تنفيذه الفعلي، تؤكد تل أبيب أنه اتفاق أولي، لم تتبلور بنوده النهائية بعد. وأكثر من ذلك، ورغم انتشار المراقبين الروس في الجنوب، تؤكد تل أبيب أن هوية المراقبين وجنسيتهم ومهماتهم، لا تزال ضمن دائرة الأخذ والرد، ولم يتقرر فيها شيء بصورة نهائية. تفسير ذلك، ربما، هو الأمل الإسرائيلي بإمكان إضافة تعديلات على الاتفاق، علّه يلحظ جزءاً من مصالحها التي تطالب بها.
أمس، ذكرت صحيفة «هآرتس» أن القلق من الاتفاق المتبلور في سوريا دفع المجلس الوزاري المصغر للشؤون الأمنية والسياسية إلى الانعقاد، في جلسة خصصت لمناقشة بنود الاتفاق وأبعاده وتداعياته على أمن إسرائيل ومصالحها.
أهمية الاتفاق، وكونه التطور الأكثر حساسية ويتقدم أي تطور وأحداث أخرى في إسرائيل، دفع صانع القرار في تل أبيب إلى إشراك الأجهزة الأمنية والعسكرية والسياسية ودوائر التقدير فيها، في الجلسة التي وصفت بأنها الأولى من نوعها: رئيس هيئة الأركان غادي آيزنكوت، ورئيس الموساد يوسي كوهين، ومسؤولي أجهزة التقدير في الجيش ووزارة الخارجية ووزارة الأمن.
مسؤول إسرائيلي رفيع المستوى قال لـ«هآرتس» إنّه إلى الان، لم تتوصل الأطراف إلى التوافق على بنود الاتفاق، في إشارة منها إلى أن الاتفاق تبلور بالفعل، لكن الجهات الفرعية، غير الأميركيين والروس، يتحفظون على بنود واردة فيه، أو لم ترد فيه. ولفت المسؤول الإسرائيلي إلى أن تل أبيب تعمل مع الإدارة الأميركية وكذلك مع الجانب الروسي، «من أجل تحسين الاتفاق» والتأكد من أنه لن يضر بمصالحها الأمنية.
اللافت، كما يرد في الصحيفة، التأكيد خلال الجلسة أن إحدى المسائل الأساسية التي لم تحسم بعد، هي الجهة التي ستكون ضامنة للاتفاق في مناطق خفض التصعيد في الجنوب السوري، وهي الجهة نفسها التي ستراقب وقف إطلاق النار، و«كيف يمكنها أن تتأكد من أن لا قوات إيرانية أو عناصر من حزب الله، دخلوا إليها»... ذلك على الرغم من أن المراقبين الروس انتشروا بالفعل في المنطقة.