تونس | لن يكون اليوم في تونس كغيره من الأيام التي تلت هرب زين العابدين بن علي، إلى السعودية، عام 2011. فأحد أكثر مشاريع القوانين إثارة للسجال، سوف يُطرح اليوم للتداول في جلسة عامة للبرلمان بغية التصويت عليه وإمراره عبر «الآلية الديموقراطية» كما يقول مساندوه، أو «بالقوة» كما يقول المعارضون.
ومنذ مبادرة الرئيس الباجي قائد السبسي، إلى طرح هذا المشروع في تموز/ جويلية 2015، كان محلّ خلاف عميق في المجتمع التونسي. حتى إنّ أحزاباً مشاركة في الحكومة الحالية رفضت قبل نحو عام التوقيع على «وثيقة قرطاج» قبل أنّ يُحذف منها مشروع القانون الداعي إلى المصالحة في المجالين المالي والاقتصادي.
ولفهم طبيعة الخلاف العميق الذي يُحدثه مشروع قانون المصالحة، يجب العودة إلى أيلول/ سبتمبر 2015 حين كانت كل الأحزاب والمنظمات والجمعيات المعارضة للمصالحة خارج مسار «العدالة الانتقالية» تستعد لتنظيم مسيرة ضخمة في شارع الحبيب بورقيبة وسط العاصمة، برغم أنّ وزير الداخلية ناجم الغرسلي، رفض منحها تأشيرة، بمساندة من مدير ديوان الرئاسة السابق محسن مرزوق (حالياً يترأس حزب حركة مشروع تونس)، على اعتبار أنّ «التظاهر ممنوع في ظل حالة الطوارئ» التي تعيشها البلاد بسبب العمليات الإرهابية المتتالية في حينه.
وبرغم ذلك، فإنّ تلك الأطراف تشبثت بقرار الخروج إلى الشارع في الموعد الذي حدّدته، فكانت بوادر أزمة حقيقية تحيط بالبلاد. ولولا تدخّل رئيس الحكومة السابق الحبيب الصيد، الذي أعطى أوامره بالسماح لهم بالتظاهر وتأمين المسيرة، لكانت البلاد قد واجهت أزمة حقيقية.
عقب تلك المرحلة، تُرك مشروع قانون المصالحة في المجالين المالي والاقتصادي في رفوف البرلمان التونسي. وفي تموز الماضي، أُحيل على لجنة التشريع العام (اللجنة البرلمانية المختصة في مناقشة مثل تلك القوانين، قبل إحالته إلى الجلسة العامة)، ونظراً إلى الخلاف بخصوصه وفشل محاولات «توريط المعارضين» عبر طرح تعديلات على النص، تُرك جانباً مرة أخرى، وأعلنت رئاسة الجمهورية، بصفتها الجهة المبادرة، سحبه لإدخال تعديلات عليه، ما هدّأ الأمور نسبياً.
لم تطل الأمور حتى عادت لجنة التشريع العام في البرلمان، في بداية الشهر الجاري، إلى مشروع القانون لمناقشته بعدما انتهت كل المحاولات لإيجاد صيغة توافقية بخصوصه من طرف رئاسة الجمهورية والأحزاب المساندة للمصالحة، وبعد الإخفاق في إقناع المعارضة بإدخال تعديلات عليه تجعله يستجيب لوجهة نظرها الداعية إلى تطبيق مسار «العدالة الانتقالية»، أي اتباع مسار المساءلة والمحاسبة وكشف الحقيقة والاعتذار قبل المصالحة.

بسبب المعارضة، فإنّ القانون يقتصر على المصالحة الإدارية

وكما كان متوقعاً، صادقت لجنة التشريع العام على المشروع بعد إدخال تعديلات جوهرية عليه جعلته مقتصراً على الموظفين العموميين فحسب، وتمّ الاستغناء عن الفصول المتعلّقة بالمصالحة مع رجال الأعمال ومرتكبي «جرائم الصرف». وجاءت تلك التعديلات بدفع من «حركة النهضة» المتحالفة مع «نداء تونس» والرئيس الباجي قائد السبسي، تجنباً لضغوط داخلية ستتعرض لها وقد تجعلها تدفع ضريبة إضافية لتحالفها مع «النداء»، وبالتالي خسارة جزء من قواعدها وناخبيها وحتى من قياداتها التاريخية.
مجمل هذه الأسباب حوّلت المشروع من قانون للمصالحة المالية والاقتصادية إلى مصالحة في المجال الإداري، وسوف يُعرض اليوم على التصويت في البرلمان، ليخلص إلى نتيجة تتراوح بين سيناريوهين أساسيين:
*المصادقة عليه على اعتبار أن 4 كتل نيابية تدعمه (نداء تونس بـ 58 نائباً؛ النهضة بـ 69 نائباً؛ الحرة بـ 24 نائباً؛ آفاق تونس بـ 10 نواب). ويحتاج المشروع إلى التصويت عليه بأغلبية 50 زائداً وحداً لإمراره (أي 109 أصوات من أصل 217 نائباً).
*انسحاب نواب المعارضة من الجلسة العامة، أو أنّ يطيلوا النقاش بخصوصه، وأن يحدث الرافضون للمصالحة، دون محاسبة أو حتى معرفة أسماء الفاسدين من الإداريين، بلبلة في البرلمان تتسبب في رفع الجلسة، فيتأجل التصويت. ويُعتبر هذا السيناريو هو الأقرب إلى التحقق، وخاصة أنّ حركة «مانيش مسامح» تنظّم وقفة كبيرة أمام البرلمان، تعبيراً عن رفض أي مصالحة مع أي كان قبل المرور بالمساءلة والمحاسبة وكشف الحقيقة واعتذار الفاسدين للشعب التونسي عما ارتكبوه.