القاهرة | كأنّ مشرحة الكراهية في مصر ينقصها قانون تقدمه مشيخة الأزهر إلى الرئاسة تحت اسمٍ لا يعكس محتواه، لا بل بعيد كل البعد عنه. «مشروع مكافحة الكراهية والعنف باسم الدين»، هو عنوان مشروع قانون الأزهر الذي طلب منه الرئيس عبد الفتاح السيسي ومن شيخه قبل فترة «تجديد الخطاب الديني»؟ لم يفعل الأزهر شيئاً في هذا المجال سوى المساهمة في سجن أحد الباحثين لمدة عام، لأنه حاول أن «يجدد» هذا التراث المليء بالأفكار البالية، ولأنه حاول مناقشة جامعة الأزهر في ما يدرسه طلابها الذين يلجأ عدد ليس بقليل منهم إلى «الإرهاب» بعد التخرّج.
في الحقيقة، يريد «قانون مكافحة الكراهية»، الذي يحتوي 16 مادةً، أن يضرب الجميع على أدمغتهم، إن هي فكّرت. وهو مثل أشياء كثيرة أخرى في مصر، يؤكد على حرية الرأي والتعبير بدايةً، ثم ما يلبث أن يقوّضها. يكفي أن مقدمة هذا القانون لا تعترف أصلاً بغير الأديان السماوية، ثم يُقال إنه «مع حرية الرأي والتعبير والمعتقد»، مع أنه يمكن ملاحظة أن القانون الذي يحمل عنوان «مكافحة الكراهية باسم الدين» يكره الأديان الأخرى.
يعرِّف القانون خطاب الكراهية بأنه «كل قول أو سلوك أو فعل علني يحرّض على العنف أو يدفع إلى إثارة الفتنة المجتمعية». ويبدو أن الأزهر وشيخه أغاظهما كثيراً ما شهدته المؤسسة من دعوات إلى تجديد الخطاب الديني. فصحيحٌ أنه لم يتغيّر شيء في هذا المجال، ولم تفعل المشيخة سوى اللغو حول هذا المشروع، إلا أن المواطن المصري يعرف جيداً أن مناهج الأزهر الدراسية تحمل خطاباً جامداً تخطّاه الزمن. لهذا السبب ألقى الأزهر بهذا القانون الآن، في محاولةٍ لإعادة الجميع إلى حظيرته لمرة واحدة وأخيرة. فلو مرّ هذا القانون، فستصبح البرامج الدينية (كتلك التي يقدمها الباحث إسلام بحيري) والمقالات التي تناقش حرية الفكر والاعتقاد وتميط اللثام عن الأفكار التي يريد شيوخ الأزهر بثّها بين الناس، جميعها محرّمة وممنوعة قانوناً، إذ إنها تقع كلّها تحت سلطة مواد هذا القانون المقدّم.
وما يؤكد أن هذا القانون جاء لغرض محدد في نفس المؤسسة، أنه خصّ مؤسستين بالتعريف في بدايته، وهما «وسائل العلانية والنشر»، و«المؤسسات التعليمية». وتقول المادة 15: «يُلغى الترخيص الممنوح للمؤسسات التعليمية والإعلامية حال مخالفتها الالتزامات الواردة بنص المادة العاشرة من هذا القانون». أما المادة العاشرة المشار إليها هنا، فهي تجعل «نشر ثقافة التسامح» ــ التي لا نعرف لها معنى محدداً ــ جزءاً من الموافقة على ترخيص المؤسسات التعليمية والإعلامية.
وتخالف مواد القانون بعضها بعضاً. فبينما تقول مادته الثالثة: «لا يخلّ هذا القانون بحقيقة اختلاف العقائد أو تعارضها أو حرية البحث العلمي فيها، أو حرية البحث العلمي فى الأديان»، تأتي مادته السادسة عكس هذا تماماً لتؤكد أنه: «لا يجوز طرح المسائل العقائدية محل خلاف أو التعرض للنقاش العلني في وسائل الإعلام على نحو يدفع المؤمنين بها للتصادم أو العنف». وهنا تجدر الإشارة إلى أن مشروع قانون مشيخة الأزهر يخالف المادة 65 من الدستور المصري، والتي تنص على أن «حرية الفكر والرأي مكفولة للجميع، وأن لكل إنسان حق التعبير عن رأيه بالقول أو بالكتابة أو بالتصوير أوغير ذلك من وسائل التعبير والنشر».
يريد المشايخ في مصر أن يسيطروا على العقول حتى ولو بالقانون. فإن صدرت مواد المشروع بهذا الشكل، فسيكون على كل مؤسسة تعليمية أو إعلامية أن تضع مادتها وأفكار من يعملون فيها تحت عين المشيخة، في الوقت الذي لا توجد في القانون نفسه أي مادة تمنع خطاب الكراهية الذي يلقيه متخرّجوها علينا في المساجد. ففيما يضيّق قانون الأزهر على الجهات الأخرى ويحدّ من حرياتهم، ينسى نفسه تماماً وكأنه خارج دائرة التفكير والتأثير... ومن يدري لعلّ شيخ الأزهر ومساعديه مقتنعون بأن أفكار «الأزهري» تظلّ «فوق مستوى الشبهات».