«البيت المُعارض» في إدلب إلى مزيد من التصدّع، من دون أن توحي المعطيات بأيّ نزع فعلي لفتيل الخلافات الدامية الصالح دائماً للاشتعال. ورغم الأنباء التي أفادت مساء أمس بنجاح وساطة قام بها عدد من «المرجعيّات الجهاديّة»، وعلى رأسهم السعودي عبدالله المحيسني، غير أنّ أيّ اتفاق بين «حركة أحرار الشام» و«هيئة تحرير الشام» لا يبدو مرشّحاً للتحوّل إلى أرضية يُبنى عليها لإصلاح العلاقة بين الطرفين.
ولا تقتصر أسباب ذلك على عمق الشقاق وتراكم الثارات بينهما، بل تتعداه إلى حقيقة أنّ كلّ المجموعات المسلّحة في إدلب يتربّص بعضها ببعض، وهي حقيقة تزداد وضوحاً مع كلّ «أزمة» تعصف بأبناء «البيت الواحد». وبدا لافتاً أنّ نهار أمس شهد تقاذفاً في الاتهامات بين كلّ من «حركة نور الدين زنكي» و«فيلق الشام»، رغم أن الطرفين أعلنا سابقاً «النأي بالنفس» عن «فتنة إدلب». وكانت المجموعتان المذكورتان قد أكدتا استعدادهما لـ«تشكيل قوات فصل» بين «أحرار الشام» و«جبهة النصرة»، غير أن ساعات قليلة بعد هذا الإعلان كانت كافية لسريان أنباء عن فشل «خطة الفصل». وتداول ناشطون معارضون بياناً منسوباً إلى «حركة نور الدين زنكي» تُعلن فيه «إيقاف توجيه أرتال قوات الفصل»، معللة ذلك بامتناع «فيلق الشام» عن تنفيذ الاتفاق، وبـ«سحب أرتاله العسكرية». وقال البيان «بعد البدء بتسيير الأرتال للفصل بين الطرفين المتنازعين، سحب "فيلق الشام" أرتاله وتراجع عن قراره، علماً بأن قيادة الفيلق ضغطت لتسيير الأرتال في الليل، فأبينا إلا أن تمشي الأرتال نهاراً لتفادي أيّ خطأ أو صدام مع الطرفين». وكانت مصادر معارضة قد تحدثت قبل ذلك عن استهداف «هيئة تحرير الشام» رتل «قوات الفصل» التابع لـ«فيلق الشام» قرب قرية معارة الأتارب، فيما نفت مصادر أخرى صحّة هذه الأنباء ووصفتها بـ«المسرحيّة»، وعزت عزوف «الفيلق» عن المضيّ في تنفيذ «خطة الفصل» إلى «نوايا مبيتة لدى الفيلق لزرع بذور الصدام بين الزنكي والنصرة، عبر استدراجهما إلى مواجهة مباشرة».

أبدت «هيئة تحرير
الشام» تجاوباً فعلياً
مع وساطة المشايخ

وبالتزامن، قال مصدر «جهاديّ» لـ«الأخبار» إنّ «هيئة تحرير الشام أبدت تجاوباً فعلياً مع وساطة المشايخ، ووضعت شروطاً منطقيّة لضمان أمنها وحماية نفسها من غدر أحرار الشام». وتتعلق الهواجس المذكورة في الدرجة الأولى بمعبر باب الهوى الحدودي الذي أصرّت «النصرة» على خروج إدارته من قبضة «أحرار الشام» وسحب الأخيرة كل العناصر والموظفين المحسوبين عليها منه «سلماً أو حرباً». وكانت معارك عنيفة قد اندلعت بين الطرفين في خضم سعي «النصرة» لانتزاع السيطرة على المعبر، فيما بدا لافتاً اكتفاء الأتراك بالتفرج وعدم التدخل لمصلحة «أحرار الشام»، خلافاً لما كان متوقعاً. ورغم المعلومات المؤكدة عن وصول قوات من المجموعات المشاركة في «درع الفرات» لمؤازرة «أحرار الشام» في معركة المعبر، غير أنّ الضوء الأخضر التركي لم يُعطَ لتلك القوات. ومساء أمس، تحدثت مصادر إعلامية معارضة عن تركيز وساطة المحيسني بشكل أساسي على قضية المعبر، وتسليم المسؤولية عنه إلى «إدارة مدنيّة». وفي بيان مقتضب، أعلن المتحدث الرسمي باسم «أحرار الشام» التوصل إلى اتفاق «بين الإخوة في حركة حرار الشام الإسلامية والإخوة في هيئة تحرير الشام على وقف إطلاق النار، وإخلاء المحتجزين من الطرفين، وخروج الفصائل من معبر باب الهوى وتسليمه إلى إدارة مدنية». ولم يُشر البيان إلى انسحاب أحد الطرفين من أيّ نقاط جديدة احتلّها في خلال المعارك الأخيرة، ما قد يعني تثبيت السيطرة وفق ما آلت إليه نتائج المعارك، وبالتالي توسّع رقعة سيطرة «النصرة» على حساب «الأحرار». وتالياً لذلك، «غرّد» المتحدث عبر صفحته الرسمية ما بدا نفياً لما تم تداوله عن قرب انهيار «الحركة» وتفكّكها. وقال أبو زيد إن «الحركة لن تتوقف عن المسيرة الذي خرجت لأجلها يوماً وستستمر بعون الله»، وأضاف مخاطباً أعضاء «الحركة» بالقول «بناؤكم صامد لن ولم يهدم بإذن الله، أنتم الحركة، أنتم المشروع، وأنتم الأمل. شمّروا عن سواعدكم، فبانتظارنا تحديات أكبر وأهداف أسمى». ومن بين الملاحظات الجديرة بالاهتمام في شأن معارك الأيام الأخيرة بين «الأحرار» و«النصرة»، تبرز على وجه الخصوص واحدة تتعلّق بانكسارات «أحرار الشام» الدراماتيكية على غير محور، وبصورة لا تتناسب وحجم القوة والعديد المفترضين لـ«الحركة». كذلك، تجدر الإشارة إلى أن الرقم المتداول لعدد القتلى الذين سقطوا في المعارك بين الطرفين لا يعكس ضراوة القتال ولا اتساع رقعته الجغرافيّة واستخدام مختلف أنواع الأسلحة فيه، حيث لم يتجاوز أكبر الأعداد المتداولة عن عدد القتلى حاجز السبعين قتيلاً في صفوف الطرفين.
على صعيد آخر، واصل الجيش السوري عملياته على غير محور بوتائر متفاوتة، تبعاً لمعطيات كلّ من الجبهات والمحاور. وفيما احتلّت عمليات القلمون الواجهة، شهدت أطراف في بلدة عين ترما (ريف دمشق) اشتباكات متقطعة بين الجيش و«فيلق الرحمن». إلى ذلك، واصل الجيش عملياته في البادية السورية على محور ريف دمشق الجنوبي الشرقي، ودارت اشتباكات متقطعة بين القوات السورية وكل من «قوات أحمد العبدو» و«جيش أسود الشرقية». وعلى نحو مماثل، شهدت محاور ريف حماة الشرقي وريف حماة الجنوبي اشتباكات محدودة، ترافقت مع استهداف «هيئة تحرير الشام» نقاطاً في محيط صوران والمصاصنة في ريف حماة الشمالي.
وفي شأن آخر، قالت وكالة أنباء روسية إن «الجيش السوري قد فتح أربعة معابر إنسانيّة لخروج المدنيين من الرقة». ونقلت وكالة «نوفوستي» عن مصدر عسكري سوري قوله إن «ضرورة فتح المعابر ظهرت الآن، لأن الإرهابيين من داعش أخذوا يهدّدون السكان العزّل مع اقتراب وحدات الجيش من المدينة المحتلة».