كي تحقق «جمعة الغضب» أكبر نفع لقضية القدس بعمومها، على المدى القصير والطويل، لا بدّ من تأكيد جملة من المسلمات المتعلقة بقضية القدس:أولاً: إن ما يريده الاحتلال للقدس هو إحكام السيطرة الكاملة عليها، وإفراغها من أهلها وتهويدها كلياً.

ثانياً: إن الاحتلال يسير بخطى بطيئة لكن ثابتة باتجاه تحقيق هذا الهدف، لأنه يريد تنفيذ مخططاته في الظلام والصمت.
ثالثاً: إن التوتر العام في القدس والضفة وامتداده إلى المحيط العربي يعرقل تقدم الاحتلال بمشاريعه، ويجعله يقضي وقتاً أطول في تنفيذها.
رابعاً: إن الحراك الشعبي الجماهيري والفردي سجّل عبر تاريخ الصراع الطويل في القدس قصص نجاح مهمة تصلح لأن تكون مصدر عبرة وإلهام في الصراع الراهن.
خامساً: إن الأشواط التي قطعها الاحتلال في مشروع تهويد القدس، أقل أهمية بالنسبة إليه من الأشواط التي قطعها سياسياً لتثبيت قدمه في المنطقة العربية والعالم كمحتل يحظى بالقبول والشرعية.
من هنا، تتبلور لدينا رؤية أضيق لواقع الصراع الراهن في القدس:
أولاً: الكيان لديه مصلحة استراتيجية عُليا يريد الحفاظ عليها، تتمثل بالإبقاء على حالة التراخي الشعبي الفلسطيني وشتات أمره، لأن الإحباط العام المسيطر على الحالة الفلسطينية وفّر للاحتلال على الأرض بيئة خصبة جداً للتمادي في مخططاته في القدس والضفة وغزة والأراضي المحتلة 48، في حين أن أي حدث من شأنه خلق حالة مقاومة شعبية سيشكل لدى الاحتلال اختراقاً كبيراً لهذه الحالة، ومن ثم تبديد جهوده في الإلهاء على امتداد عشر سنوات.
ثانياً: الاحتلال هو المستفيد الأكبر من تداعيات «الربيع العربي»، وحقق مكاسب سياسية كبيرة على صعيد تراجع القضية الفلسطينية في الوعي العربي، والاهتمام العالمي، الأمر الذي رفع غطاء الدعم الدولي للفلسطينيين، ومنح الكيان شرعية وقبولاً، وجعله يتصرف في أروقة الديبلوماسية كدولة لها شرعيتها، في مقابل إلصاق تهم الإرهاب بالفلسطينيين، بمن فيهم السلطة ومواصلة نبذها، والتصريح في كل مناسبة بأنها لا تريد السلام. أما في حالة الاحتجاج الشعبي الواعي في القدس، ولأنها القدس، فإن الاحتلال يخسر الآن على الصعيد السياسي الكثير من منجزاته السياسية، خاصة مع تنامي التضامن والحراك الشعبي المؤيد والداعم للموقف الفلسطيني في القدس، وبذلك يتعرض لانتقاد سياسي كان قد استراح منه لسنوات منذ «الربيع العربي»، ويعرض خطواته المتسارعة في مشروع التطبيع (حلمه الكبير) إلى التباطؤ، وهذه المخاسر أقسى على الاحتلال وأشد من مكسب البوابات الإلكترونية على أبواب المسجد الأقصى.
ثالثاً: الثابت الاستراتيجي عند الاحتلال هو السيطرة على القدس وتهويدها، والبوابات تأتي ضمن الإجرائي التكتيكي القابل للتغيير والتعديل، وقد سبق أن غيّر الاحتلال إجراءاته تجنباً لإشاعة التوتر، مثل مشروع باب المغاربة، الذي رافقه الحراك الجماهيري المقدسي، وأيضاً منع أعضاء الكنيست اليهود من دخول الحرم المقدسي لعام ونصف على خلفية الحراك الشعبي الذي انطلق في تشرين الأول 2015، وخاصة عملية الشهيد معتز حجازي.
رابعاً: عبر تاريخ الصراع الطويل في القدس، فإن الاحتلال كلما فرضت عليه الظروف الموضوعية المفاضلة بين التوتر العام في المنطقة على خلفية القدس، وبين تسريع التهويد، آثر الهدوء على استمرار مشروعه الصغير محلّ الصراع، في مقابل استمرار مشروع التهويد الكبير والاستراتيجي.
إذن، وضمن المعطيات الراهنة، الاحتلال لديه ما يخسره في معركة البوابات: الهدوء، وحالة الإحباط الفلسطيني وتراجع المقاومة الشعبية، والموقف السياسي، ومشروع التطبيع.
أما الفلسطينيون، فلديهم عوامل قوة: لديهم عدالة القضية، وقوة تحريك الفعل الفلسطيني، ولديهم هذه المرة مساندة شعبية عربية قوية نظراً إلى ما آل إليه الحال عقب «الربيع العربي»، ويبدو أنها قابلة للنمو. لكن كيف سنكسب المعركة؟
أولاً: بالثبات على الموقف في القدس، وبالاستجابة لدعوات الحراك الشعبي من قبل كل القادرين على الوجود في المكان.
ثانياً: وهذا مهم جداً، هو الحفاظ في هذه المرحلة على سلمية المرابطة في القدس، لأنّ أيّ ذريعة سيمتلكها الاحتلال ستفشل الجهود.
ثالثاً: توسيع دائرة الفعل الفلسطيني المقاوم ليتحول إلى نطاق المقاومة الشعبية المفتوحة بكل صورها في الضفة والقطاع والداخل الفلسطيني المحتل.
رابعاً: تضييق حلقة المطالب، فهذه معركة البوابات وليست معركة التحرير، والتركيز على هدف بعينه حتى يتحقق. وتجنب التشتيت.
خامساً: عدم الاكتراث بإعلانات الاحتلال حول دراسة البوابات، فالمطلوب هو تفكيكها، لا دراسة تفكيكها، يتحقق الهدف عندما يتحقق.