لا توافق إسرائيل، بالمطلق، على اتفاق وقف إطلاق النار، في الجنوب السوري، وفقاً للتفاهم الأميركي ــ الروسي. الاتفاق الذي يُعد وفقاً للمعطيات المجمعة لدى تل أبيب، أول تمظهرات مسار التسوية أو الحل السياسي بين الجانبين، والمبني على واقع انتصار الدولة السورية وحلفائها، وعلى إرادة الانكفاء اللاحق للجانب الأميركي، في مرحلة ما بعد هزيمة تنظيم «داعش».
كما تؤكد تل أبيب، لا يلحظ الاتفاق «معالجة» تهديدات أعدائها في الساحة السورية، في مستواها الحالي، وكذلك مستوياتها المقدرة في المستقبل: إيران وحزب الله، وأيضاً الدولة السورية. ورد على لسان رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو (16 الشهر الجاري) أنّ إسرائيل تعارض وقف إطلاق النار في الجنوب السوري، لأنه «يكرس الوجود الإيراني في سوريا».
شروط إسرائيل للقبول بالتفاهم الأميركي ـ الروسي، أعلنت في اليومين الماضيين، وهي إعادة وتكرار لأهداف تل أبيب وحلفائها من أصل الحرب على الدولة السورية. تبدو هذه الشروط للوهلة الأولى أنها تعكس واقع انتصار حلفاء تل أبيب وليس فشلهم. النتيجة السياسية التي تريدها إسرائيل، هي نتيجة انتصار لم يتحقق، ما يعني أنها شروط عاكسة لأمنيات لا لاقتدار... وهو ما يظهر من مواقف المسؤولين الإسرائيليين، التي تصدر تباعاً بعد إعلان رفض وقف إطلاق النار في الجنوب السوري.

شروط إسرائيل للقبول بالتفاهم أعلنت في اليومين الماضيين


إلى جانب الرفض، برزت أيضاً الخيبة من إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب، الذي «باع» المصالح الإسرائيلية، كما أشارت أمس مصادر رفيعة في تل أبيب، للإعلام العبري. موقع «المونيتور» بالنسخة العبرية، نقل عن جهات إسرائيلية مطلعة على ما يحدث خلف الكواليس بين تل أبيب وواشنطن، أن ما يجري «ليس مجرد خلاف بين إسرائيل وروسيا والولايات المتحدة، بل هو صدام حقيقي ينطوي أيضاً على خيبة أمل إسرائيلية كبيرة جداً من السهولة التي منحها الأميركيون لبوتين للمناورة في وجه إسرائيل في الطريق إلى بيع المصالح الأمنية الإسرائيلية في الجولان وفي لبنان، بأسعار منخفضة مقابل المحور الشيعي».
خيبة الأمل الإسرائيلية من الإدارة الأميركية قد تكون موازية لخيبة أملها من عدم تحقق أهدافها وتضمين مصالحها في اتفاق وقف إطلاق النار بين واشنطن وروسيا، حول الجنوب السوري... تشير المصادر نفسها إلى أن إسرائيل كانت حاضرة بين الجانبين، الروسي والأميركي وكذلك الأردني، ونقلت إليهم مجتمعين وعلى حدة، شروطها ومطالبها. و«خلال الاتصالات، أوضحنا لهم أن المنطقة الجنوبية يجب أن تكون خالية تماماً من حزب الله وكذلك من أي وجود إيراني، إضافة إلى منع إقامة قواعد عسكرية إيرانية داخل الأراضي السورية، ومنع إقامة أو استئجار مرفأ إيراني على الساحل السوري، ومنع ترميم الصناعة العسكرية السورية».
مصدر أمني إسرائيلي بارز أشار لـ«المونيتور»، إلى أنه في ظل الرئيس الأميركي الذي يعد حالياً الرئيس الأكثر وداً بالنسبة إلى إسرائيل، تنازل الأميركيون تماماً أمام الروس، و«اسم إيران أو حزب الله لم يذكر في اتفاق وقف إطلاق النار، وعموماً لم يتعامل الاتفاق مع أي من هواجس إسرائيل، وجاء متجاهلاً بشكل مطلق لاحتياجاتها الأمنية».
إزاء ذلك، ما يمكن إسرائيل أن تقوم به، لمواجهة التهديدات؟ كما هي العادة المتبعة: اللجوء إلى التهديدات. يوم الثلاثاء الماضي، أشار اللواء احتياط يعقوب عميدرور، الذي شغل في السابق رئاسة مجلس الأمن القومي، والمقرب من نتنياهو، إلى أنّ «على إسرائيل أن تمنع تعزز النفوذ الإيراني في سوريا، وإن من خلال استخدام القوة العسكرية». وأضاف في حديث عدّ في الإعلام العبري وكأنه كلام صادر عن نتنياهو نفسه، أن «إسرائيل لن تسمح لإيران وحزب الله باستغلال انتصارهما في الحرب السورية، من أجل التركيز على إسرائيل». تصريح عميدرور، يعد رفع سقف رهان إسرائيل على المواقف التصعيدية وعلى التهديدات والتلويح بخيارات عسكرية قد تكون أكبر من قدراتها الفعلية... لكن رفع الصوت، وإن بنبرة تهديدية، لازمة إسرائيلية دائمة، ترافق في العادة، الفشل والهزائم.