القاهرة ــ الأخبار عاش مجلس الدولة المصري «يوماً تاريخياً» أمس، بعدما شغر منصب رئيسه للمرة الأولى إثر تقاعد رئيسه السابق. وفيما قام المستشار يحيي الدكروري، وهو أقدم نائب لرئيس المجلس، بتسيير الأعمال الإدارية من مكتبه أمس، أصدر الرئيس عبد الفتاح السيسي قراراً بتعيين المستشار أحمد أبو العزم رئيساً للمجلس، علماً بأن أبو العزم هو رابع أقدم نائب للرئيس.

وخلا منصب رئيس مجلس الدولة للمرة الأولى منذ تأسيسه عام 1946، بسبب تأخر السيسي في إعلان اسم الرئيس الجديد وسط ترقب من القضاة واستياء قطاع عريض منهم، بسبب ما وصفوه بـ«الخصومة التي يفتعلها الرئيس مع المجلس». وباختيار أبو العزم الذي يؤدي اليمين الدستورية صباح اليوم، يكون السيسي قد فتح جبهة مواجهة مع قضاة مجلس الدولة الذين تصدوا لتعديلات قانون اختيار رؤساء الهيئات القضائية المختلفة، والذي جرى بموجبه تعزيز صلاحيات الرئيس ليختار واحداً من بين ثلاثة قضاة يرشحون إليه من بين أقدم سبعة نواب لرئيس الهيئة القضائية. وكانت الجمعية العمومية لقضاة المجلس التي تمتلك بموجب القانون حق الترشيح، قد رشّحت الدكروري منفرداً لهذا المنصب، وذلك خلال اجتماع طارئ في أيار/ مايو الماضي، لكن السيسي استغل الحق الذي نص عليه القانون، وهو أنه في حالة ترشيح شخص واحد يصبح من حق الرئيس الاختيار المطلق بين أقدم سبعة أعضاء.

يعتزم الدكروري الطعن في القرار أمام المحكمة الإدارية العليا

ومجلس الدولة هو الهيئة القضائية الوحيدة التي رفضت بشكل مطلق إلغاء مبدأ الأقدمية في اختيار رؤساء الهيئات القضائية ومنح الرئيس صلاحية اختيار رئيس المجلس، باعتباره تدخلاً في السلطة القضائية. وبحسب مصادر رئاسية لـ«الأخبار»، فضّل السيسي اختيار أبو العزم باعتباره «الشخص المناسب للمنصب»، فضلاً عما يتمتع به من محبة من قبل قضاة المجلس.
وبرغم ما تردد قبل أسابيع عدة عن اتفاق أقدم القضاة في المجلس على رفض التعيين في حال اختيار شخص آخر غير الدكروري صاحب حكم مصرية جزيرتي تيران وصنافير، إلا أن مصادر نفت صحة هذه الأخبار، خصوصاً أن القضاة السبعة فشلوا في التوصل إلى صيغة توافقية بشأن التعامل مع القانون خلال اجتماعهم فور صدوره في أيار/ مايو الماضي. وقالت مصادر قضائية في مجلس الدولة لـ«الأخبار» إن المجلس يشهد حالة من الغضب العارم تجاه موقف السيسي وسط انقسام بين القضاة بشأن الخطوة التالية وتأكيدات بأن الجمعية العمومية للمجلس ستطعن في القرار باعتباره تخطياً لإرادتها التي رشحت الدكروري منفرداً.
وأضافت أن الدكروري أبلغ المقربين منه باعتزامه الطعن في القرار أمام الدائرة الثانية في المحكمة الإدارية العليا باعتبارها الجهة المختصة بالدعاوى القضائية من هذا النوع. وستطلب الإدارية العليا إحالة الدعوى على المحكمة الدستورية لما في القانون من شبهة عدم دستورية أكدها قسم الفتوى والتشريع في مجلس الدولة خلال مراجعة القانون قبل إقراره من البرلمان. وقد تستغرق هذه الخطوة شهوراً من دون أن يُفصَل فيها قضائياً، إلا بعد إحالة الدكروري على التقاعد العام المقبل، لكنها ستُرسي مبدأً قضائياً يسعى إلى تطبيقه، سواء استفاد منه أو لم يستفد.
ورأى أكثر من قاضٍ في المجلس تحدثت معهم «الأخبار» ما حدث يوم أمس بمثابة «إعلان الحرب بين المجلس والرئاسة»، خصوصاً أن قطاعاً عريضاً من القضاة يرفض القانون، ويرى أن تعيين رئيس للمجلس غير الدكروري يأتي رغماً عن الجمعية العمومية ويفتح الباب أمام تدخلات مستقبلية محتملة للدولة في المجلس والتأثير في قضاته بعدما تمتع في السابق باستقلالية استطاع من خلالها أن يصدر أحكامه بحيادية.