مرهق هو البحث في تفاصيل قضية «الغواصات الألمانية»، فهي معقدة ومتشابكة، ومعظم المتورطين فيها هم مسؤولون أو أقرباء يدورون في فلك رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو. قضية بدأت تتدحرج ككرة ثلج منذ شهور، حتى توالت التحقيقات والاعتقالات بشأنها، وصولاً إلى ترجيحات بأنها قد تطيح نتنياهو نفسه من الحكم. فقبل نحو أسبوع، ومن دون ترويج أو إعلان مسبق، اضطر نتنياهو إلى مخاطبة الإسرائيليين لاستعطافهم. اختار رئيس الوزراء «القناة العشرين» الإسرائيلية تحديداً، وعند منتصف الليل قرر «توضيح بعض الأمور». وراح من خلال هذه المنصة يكيل لوسائل الإعلام الإسرائيلية اتهامات بأنها «تحيك مؤامرة ضده». خطابه هذا جاء في أعقاب اعتقال الشرطة لعدد من المسؤولين المقربين منه، للتحقيق في قضية الغواصات أو ما يعرف باسم «القضية 3000»، علاوة على أزماته القضائية الأخرى.
لكن مثيرة هي آخر التطورات التي تعصف بقضية الغواصات، وتتمثل بإدلاء الوسيط بين شركة الغواصات الألمانية «تيسنكروب» ووزارة الأمن الإسرائيلية، ميكي غنور، بمعلومات عن صفقات سلاح أخرى، صودق عليها خلال السنوات المنصرمة، الأمر الذي من شأنه أن يوسع دائرة التحقيقات في قضية الغواصات، وفق ما أشارت إليه صحيفة «هآرتس»، أمس، مضيفةً أن من المتوقع استدعاء ضباط أنهوا خدمتهم في المنظومة الأمنية أو شغلوا مناصب رفيعة سابقاً، للتحقيق.
في المقابل، تستمر المباحثات بين النيابة العامة الإسرائيلية وغنور، بهدف التوصل إلى اتفاق «شاهد ملك». بموجبه يُمنح الأخير الحصانة المطلقة من صفقة الادعاء، أو يحصل على حكم مخفف، مقابل إدلائه بكافة المعلومات التي في حوزته، إذ تقدر الشرطة والنيابة أن المعلومات التي يملكها غنور من شأنها تعزيز الشبهات حول المتورطين في صفقة الغواصات، بحسب ما ذكرته «القناة العاشرة» الإسرائيلية.
ورغم أن التقديرات قد خرجت عن النيابة العسكرية الإسرائيلية، لم تُرسل حتى الآن أيّ رسالة للنائب العسكري الرئيسي، شارون أفيك، يُطلب منه استدعاء ضباط للتحقيق في إطار «القضية 3000»، إذ تجري العادة أن تقع مسؤولية التحقيق في مثل هذه القضايا على عاتق الشرطة الاسرائيلية، ولكن في قضايا تتطلب استدعاء ضباط، تقوم الشرطة بإطلاع النيابة العسكرية، وأحياناً أخرى الشرطة العسكرية نفسها. وبحسب المعلومات، فإن ضباطاً يتوقع استدعاؤهم قد بدأوا بجولات للحصول على استشارات قانونية من قبل المحامين.
وفي هذا الإطار، لفت مصدر نافذ في القناة العاشرة إلى أن غنور أدلى بمعلومات إضافية حول أشخاص آخرين وحول صفقات سلاح وعقارات. كذلك لفت إلى أنه بالتزامن مع التقدم في الاتصالات مع غنور، فإن مسؤولاً آخر متورطاً في القضية توجه أول من أمس إلى الشرطة، طالباً البدء بمفاوضات للحصول على مكانة «شاهد ملك».
أمّا صحيفة «معاريف»، فقد نقلت عن مصدر في سلطات إنفاذ القانون قوله إنه «في حال التوقيع على اتفاق شاهد ملك مع غنور، فإن الأخير ملزم بتقديم معلومات بشأن صفقات أمنية أخرى تورطت فيها شخصيات عامة وسياسية يتوقع أن يُحقق معها».
ويبدو أن رئيس الشعبة السياسية الأمنية في وزارة الامن سابقاً، الجنرال في الاحتياط عاموس غلعاد، هو أول هؤلاء، إذ أدلى بإفادته في قضية الغواصات في مكاتب وحدة «لاهاف 433»، أول أمس، ومكث في التحقيق لمدة خمس ساعات.
وفي السياق، رجّحت «هآرتس» أن تكون إفادة غلعاد قد تركزت بشأن المصادقة على بيع غواصات من قبل «تسينكروب» لمصر، لا سيما أن غلعاد، وكذلك وزير الامن السابق موشيه يعالون، عارضا تسليم غواصات متطورة لسلاح البحرية المصري. وتأتي إفادة غلعاد بعدما لعب دوراً مركزياً مهماً في كل صفقات شراء الأسلحة خلال السنوات المنصرمة.
اللافت أيضاً هو ما كشفته صحيفة «يديعوت أحرونوت» عن أن الرئيس الإسرائيلي رؤوفين ريفلين، هو الذي طلب من الحكومة الألمانية عدم بيع غواصات لمصر، وحصل على جواب أن هناك موافقة إسرائيلية للصفقة بين برلين والقاهرة.

تقدّر الشرطة الإسرائيلية أن معلومات غنور من شأنها تعزيز الشبهات حول المتورطين في صفقة الغواصات

ففي أيار من عام 2015 توجه ريفلين إلى ألمانيا للاحتفال بمرور 50 عاماً على تأسيس العلاقات الدبلوماسية بين الجانبين، وخلال اجتماعه بالمستشارة الألمانية أنغيلا ميركل، أبدى تحفّظ إسرائيل واستياءها ومخاوفها من نية ألمانيا بيع غواصات متطورة لمصر. لكنه بحسب «يديعوت»، وجد نفسه في «صدمة وحالة من الإرباك، عندما أبلغته ميركل أن هناك موافقة إسرائيلية على بيع الغواصات لمصر».
يأتي ذلك في أعقاب كشف الصحيفة قبل يومين عن أن «شخصية إسرائيلية رفيعة أعربت عن مخاوف حيال المفاوضات التي تجريها تيسنكروب لبيع غواصات لمصر»، لافتةً إلى أنه بحسب هذه الشخصية (الرئيس الإسرائيلي)، فإن «الأجهزة الأمنية الإسرائيلية لا علم لديها بهذه المفاوضات والصفقة».
وفي هذا الإطار، رجّحت الصحيفة إمكان وجود صفقة «من خلف الكواليس»، بموجبها وافقت إسرائيل على بيع الغواصات لمصر شريطة أن تحصل في المقابل على تخفيضات قيّمة بصفقة الغواصات والسفن التي ستشتريها من ألمانيا.
يُذكر أن ألمانيا أرجأت التوقيع على اتفاق التفاهمات مع إسرائيل، الذي كان مقرراً الاسبوع المقبل، الأمر الذي يشير إلى احتمال إلغاء الصفقة نهائياً في حال ثبوت تهم الفساد الموجهة إلى مسؤولين إسرائيليين.
ومع ذلك، نقلت «هآرتس» عن مسؤولين في «تسينكروب» قولهم إنه « ليس بالإمكان التعقيب على احتمال التنصل من الصفقة في حال ظهرت تهم فساد، وذلك لأن المسألة مرتبطة باتفاقات بين حكومات دول». وشددت الشركة على أنها قطعت الاتصالات مع وسيطها في إسرائيل، غنور، بمجرد أن علمت بشأن الادعاءات ضده.
ورغم أنه يفترض أن تتسلم إسرائيل الغواصات الثلاث من ألمانيا بعد 10 سنوات، أي إن إرجاء التوقيع على التفاهمات لعدة أسابيع ليس من شأنه أن يشكل خطراً أمنياً، لا يزال نتنياهو يشدد على أهمية التوقيع على المذكرة خلال ولاية الحكومة الألمانية الحالية، وقبل الانتخابات المفترض إجراؤها بعد شهرين. وهو ما يدفع وزير الأمن السابق إلى السؤال عن سبب الاستعجال في إنجاز الصفقة، بينما يفصل عن تنفيذها عقداً من الزمن!