مع بدء العاصمة الكازاخية، أستانة، بإجراء التحضيرات اللازمة لاستقبال المباحثات السورية، بدأ العد العكسي لكل من موسكو وأنقرة لتحشيد الدعم الدولي اللازم لتعزيز حظوظ المؤتمر في الوصول إلى اتفاق يشكّل انطلاقة متينة لأي مباحثات مقبلة في جنيف.
وبالتوازي مع النشاط الديبلوماسي للعاصمتين ضمن هذا الإطار، لم تكن ملامح اتفاق وقف إطلاق النار «شاملة» وفق ما تم الإعلان عنه، خاصة من الجانب التركي؛ فبينما استمرت الاشتباكات على العديد من الجبهات ضمن الخارطة السورية، خارج إطار «داعش» و«جبهة النصرة»، كشفت وثيقة تم تداولها عن الفصائل المسلحة التي وافقت ووقّعت على الاتفاق بشقيه الميداني والسياسي، أنّ توزع الفصائل على الأرض لا يشمل كامل الجبهات، إذ إن تلك الفصائل غير موجودة في الجبهة الجنوبية، على سبيل المثال، فضلاً عن رفض «حركة أحرار الشام» و«حركة نور الدين الزنكي» التوقيع على الاتفاق.
الحركتان اللتان تعدّان من أبرز الفصائل المسلحة في الشمال السوري، تناغم موقفهما مع الموقف الذي أعلنته «جبهة فتح الشام» ــ المستثناة أصلاً من الاتفاق ــ عن رفضها للهدنة بشكل كامل. وقد يشكّل هذا الرفض إشارة واضحة إلى أن الحركتين لن تسمحا بشقّ الصف مع «فتح الشام»، تحسّباً لأي تنسيق ميداني لاحق، قد تحمله الفترة المقبلة.
الجهود الديبلوماسية الروسية تجلّت اليوم بما أعلنه مندوبها لدى الأمم المتحدة فيتالي تشوركين، عن أن بلاده وزعت مسودة مشروع قرار حول وقف الأعمال القتالية في سوريا، للتصديق عليه في مجلس الأمن. ولفت إلى أن «روسيا تأمل أن تجري عملية التصويت على المشروع والتصديق عليه بالإجماع صباح الغد (اليوم)».

الاتفاق يعطي
روسيا «حصرية» الرد على الخروقات

وتوضح الوثائق التي تسربت حول الاتفاق أنه يعطي مهلة للمعارضة السورية لتشكيل وفدها بشكل مستقل حتى 16 كانون الثاني المقبل، على أن يبدأ العمل مع وفد الحكومة السورية في الـ23 من الشهر نفسه، لوضع «خارطة طريق لحل الأزمة السورية في أقرب وقت». الجانب الروسي أبدى رغبة واضحة في ضمّ العدد الأكبر من الدول لدعم الاتفاق وجهود الحل في أستانة، وأشار تشوركين إلى أن موسكو تعوّل على مشاركة مصر والسعودية والكويت والأردن وغيرها من الدول المعنية بالملف السوري، مشدداً على أن مصر يمكن أن تلعب دوراً مهماً في الإعداد للمباحثات.
ويبدو كلام تشوركين متوافقاً مع ما يكشفه مصدر ديبلوماسي روسي، مطّلع على تفاصيل الاتفاق، لـ«الأخبار»، عن وجود خطوط إضافية غير معلنة في الاتفاق، تعطي لمصر لاحقاً دوراً في المساهمة بمراقبة الهدنة. المصدر يوضح أيضاً أن الاتفاق يعطي روسيا «حصرية» الرد على الخروقات التي من الممكن أن تنتج من بعض الأطراف المشاركة في الاتفاق، كذلك يرافق تطبيقه تأمين خرائط توزع وانتشار لجميع الفصائل المسلحة الموقّعة عليه، والتي يقدر تعداد عناصرها بحوالى 60 ألف مسلح، لضمان عدم استهدافها في العمليات التي من الممكن أن تشنّ ضد تنظيمات إرهابية.
ويلفت إلى أن هوامش الاتفاق تطالب الدول الثلاث الموقّعة عليه بالعمل على تسهيل خروج «الجماعات الأجنبية» التي تحارب في سوريا، باستثناء التي تحارب «وفق اتفاقية رسمية مع الحكومة السورية». وهو ما بدا واضحاً في التلميحات التركية، عبر العديد من التصريحات، على ضرورة خروج «الميليشيات العراقية ومقاتليها» من سوريا، وفي مطالبة روسيا في المقابل بخروج المقاتلين الشيشان والايغور وغيرهم من صفوف الجماعات المسلحة.
ومن المتوقع أن تشهد الأيام المقبلة تطوراً ــ إعلامياً على الأقل ــ للخلاف بين تفسيرات «الفصائل الإرهابية» المستثناة من الاتفاق، في ضوء إصرار أنقرة على أن «وحدات حماية الشعب» الكردية هي خارج إطار الاتفاق بالمطلق، وهو ما أكده أمس كلّ من رئيس الوزراء بن علي يلدريم، ووزير خارجيته مولود جاويش أوغلو، بعكس ما أوردته عدة مصادر كردية، عن دعوة «حزب الاتحاد الديمقراطي» الكردي إلى أستانة.
ومع تقدم الجهود لتعزيز الاجتماع، أعلنت طهران، على لسان وزير خارجيتها محمد جواد ظريف، أن اتفاق وقف إطلاق النار يعدّ «إنجازاً عظيماً»، فيما أشار الأمين العام لحلف شمال الأطلسي ينس ستولتنبرغ، خلال اتصال هاتفي مع جاويش أوغلو، إلى دعم الحلف للاتفاق وتثمينه لدور تركيا في التوصل إليه، وفق ما نقلت عنه وكالة «الأناضول».
(الأخبار)