بعد جمود «عملياتي» دام شهراً، عادت مختلف القوات العراقية، أمس، إلى الهجوم مجدّداً على مواقع مسلحي تنظيم «داعش»، معلنةً بدء المرحلة الثانية من عمليات استعادة الأحياء الشرقية لمدينة الموصل.
الإعلان جاء على لسان الفريق الركن علي الفريجي، بعد يومين على تصريح للجنرال الأميركي ستيوارت جيمس، وهو قائد كتيبة مقاتلة «تساند قوات الأمن العراقية على الجبهة الجنوبية الشرقية للمدينة»، أعلن فيه «استعداد قواته للمرحلة التالية من الهجوم مع بدء التوغل في العمق الشرقي للمدينة».
وذكرت القيادة المركزية لـ«التحالف» في بيان، أمس، أن «عناصر من قوات الجيش والشرطة ومكافحة الإرهاب العراقية شنّوا هجوماً متزامناً على ثلاثة محاور شرقي الموصل، أدى إلى فتح جبهتين جديدتين داخل المدينة، وزاد من الضغط على مقاتلي داعش، وتراجع قدرتهم على التحرك أو الحصول على إمدادات».
لكن في مقابل منسوب التفاؤل المرتفع نسبياً، فإن بعض القيادات العسكرية العراقية ترى في المعركة، بمراحلها المختلفة، «خسارةً جديدة، ما لم يُستفَد من جميع إمكانات الشعب العراقي بمن فيهم الحشد الشعبي، من جهة؛ وإعادة رسم خطط الهجوم لاستنزاف المسلحين في كامل محافظة نينوى (مدينتي الموصل وتلعفر)، من جهةٍ أخرى»، وذلك وفق مصدر مقرّب من «غرفة عمليات القيارة» (قيادة العمليات المشتركة).

تبدي قيادات
اعتراضاً على اليد الأميركية المسيطرة على القرار


وفي الوقت نفسه، فإن عدداً من القيادات العسكرية تبدي اعتراضاً على «اليد الأميركية المسيطرة على القرار السياسي والعسكري منذ بدء العمليات: تخطيطاً، وتنفيذاً، فتجميداً واستئنافاً»، مشيرة، خلال أحاديث إلى «الأخبار»، إلى أنّ «الأميركيين قدموا وعوداً عدة للقيادات العسكرية والسياسية، في وقت أنّ مشاركتهم محدودة جدّاً، ولا يمكن الاعتماد أو الاتكال عليها». وينقل مصدر عسكري ما جرى في كواليس بعض الاجتماعات «التخطيطية»، قائلاً إنّ «الأميركي ألزم نفسه في بعض العمليات بالإسناد المدفعي والجوّي، لكنه اشترط على القوات المتقدّمة تحديده المسبق للأهداف، ورفضه الزجّ بأي قوة مشاة في أي تقدّم»، ما دفع بجملة تساؤلاتٍ واستفسارات عن جدوى مساندة كهذه، خصوصاً أن بعض القيادات العسكرية قارنت تقدّم قوات «الحشد الشعبي» غربي الموصل، الذي جاء دون أي غطاءٍ أميركي، بالتقدّم الذي حققه الجيش والأجهزة الأمنية في الموصل ومحيطها.
بالتوازي مع معركة الموصل، فإن قيادة «الحشد الشعبي» تنتظر أمراً عملياتياً لاستئناف معركة تلعفر القريبة من مدينة الموصل. وتؤكّد مصادر مواكبة أن «عمليات الحشد شبه متوقفة»، وما يجري حالياً ليس إلا «عمليات تكتيكية»، خصوصاً أن «القوات قد أنجزت ما كُلِّفَت به». ووفق مصدر مقرّب من قيادة «الحشد»، فإن المطلوب حالياً من الفصائل المنضوية تحت جناح «الحشد» هو «الوقوف عند أطراف تلعفر، وليس الدخول إليها». ويعود ذلك إلى سببين أساسيين:
أولاً: استمرار الضغط الأميركي على العبادي، الرافض لدخول «الحشد» إلى تلعفر.
ثانياً: وفق مخططات العبادي، فإن القوات التي ستحرّر الموصل ستنتقل تلقائياً للقضاء على مسلحي «داعش» في تلعفر، وهو أمرٌ أثار خلافاً حادّاً بين العبادي وقيادة «الحشد» التي تريد حسم تلعفر بالتزامن مع الموصل بهدف ضرب إرادة القتال لدى مسلحي «داعش».
ووسط كل هذه المعطيات والمؤشرات، تخشى المصادر العراقية من رغبة أميركية مبيتة، تُعدّ لحزمة «انتصارات كاملة من العراق إلى سوريا»، في منطقة تعدّها واشنطن نفوذاً لها ولحلفائها، وهي لذلك تصرّ على استبعاد «الحشد». وعن هذا الاستبعاد، يشرح مصدر سياسي رفيع في بغداد أنّ «الأميركي لن يُسلّف نصراً مجانياً لأيٍّ كان في العراق، حتى لحليفه العبادي، دون أن يطمئن إلى مرحلة ما بعد الموصل، وإلى موقعه في البلاد».