تتسابق السعودية مع الزمن منذ أكثر من عشرة أيام وعلى عدد من جبهات القتال، في ظل مواكبة إعلامية وسياسية، وذلك لتحقيق أي منجز عسكري يمكن تصويره على أنه نصر كبير، ليكون دافعاً سياسياً أمام الإدارة الأميركية الجديدة حتى تتبنى الخيار السعودي للحرب من باب القوة، وتقديم الرياض نفسها على أنها قادرة على رعاية المصالح الأميركية في الإقليم.
وإلى حين تسلّم الإدارة الأميركية الجديدة مهماتها، ستزداد حدة الجبهات العسكرية حتى تصل الإدارة الجديدة إلى قرار وقفها أو المضي بها، مع أنه لم تتضح بعد وجهتها، ووفق أي أجندة ستمضي. لكنّ السعي السعودي الحثيث إلى تغيير موازين القوى في الميدان اليمني قبل وصول الرئيس دونالد ترامب، يأتي بعد معركة تحرير حلب والخسارة المدوية للمشروع الخليجي في سوريا، وما يترتب على ذلك من انعكاسات قد تطاول الساحة اليمنية، والخشية السعودية من أن ينتقل محور الممانعة من مرحلة الدفاع إلى الهجوم.
مما لا شك فيه، أن ما بعد تحرير حلب أتاح لمحور المقاومة خيارات أوسع. وفي المقابل، قلّص خيارات دول الخليج وتدخلاتها في سوريا، وكذلك في العراق. ليزيد حاجتها الملحّة إلى تحقيق أي نصر في الحرب على اليمن في محاولة للتعويض عن الخسارة في بلاد الشام والرافدين. وما يزيد الإصرار الخليجي على تحقيق أي منجز في اليمن، أن المعركة مرشحة لكي تصير ضرباتها تحت الحزام، لذلك يتعاطى الخليج المنخرط بفعالية في هذه الأيام في متابعة سير العمليات العسكرية مع التلويح الإعلامي بأن النصر فيها هو بمنزلة الحفاظ على القلعة الأخيرة في الوجود.
وتأتي الجولات الجديدة من القتال بعد قناعة أميركية بغياب جدوى تحقيق الأهداف المرسومة، بغضّ النظر عن الأهداف الابتدائية التي من أجلها انخرطت واشنطن بالحرب على اليمن، لكن إدارة باراك أوباما الراحلة في العشرين من الشهر المقبل، وصلت إلى هذه القناعة واستحالة تحقيق تلك الأهداف، بل إن الأضرار الجانبية التي تلحق بواشنطن جراء ازدياد الجرائم السعودية بحق الشعب اليمني وبغطاء أميركي، لا تزال في دائرة الاتساع.
الإدراك الأميركي لعجز الرياض عن الحسم العسكري ومواجهة قوات الجيش و«اللجان الشعبية» اليمنية على الحدود بين البلدين، ووصول واشنطن إلى قناعة بأن المقاربات العسكرية لم تعد تجدي نفعاً، وهي دائماً تصل إلى الطريق المسدود، دفع الأخيرة بصفتها الراعي الأساسي للحرب على اليمن عبر وزير الخارجية جون كيري، إلى تقديم مبادرة هي أقرب ما يكون وفق الوصف الأميركي إلى حل وسط، وتجسيد للواقع الميداني الذي وصل إليه الطرفان.
بمعزل عن توقيت الإعلان الأميركي للخطة في الوقت الذي صدرت فيه، فإن تلك الخطة مثلت إقراراً من واشنطن بغياب جدوى محاولات الرياض العسكرية لتغيير موازين القوى وعقم الخيار الميداني، حتى لو استدركت واشنطن في ما بعد أن مبادرتها لم يستطع هضمها الخليجيون، فألحقتها بأخرى أكثر تلطيفاً على الجانب السعودي. وما يهمّ دوائر القرار في الرياض حالياً رفض الظهور مجدداً بمظهر العاجز وفاقد الحيلة، وهذا ليس على المستوى الشعبي السعودي الذي لا يمتلك بالأصل قرار هذه الحرب، بل أمام الرئيس الأميركي الآتي إلى البيت الأبيض. الخشية السعودية تتمثل في أن تصل الإدارة الجديدة سريعاً إلى استنتاج سابقتها بأن النظام السعودي عاجز عن الحسم العسكري وتغيير وجهة الحرب إلى المصلحتين السعودية والأميركية.
يكرر التحالف السعودي حملاته العسكرية على اليمن في تعداد لمشهد تكرّر عشرات المرات، لكن الفارق هذه المرة أن السعوديين أمام اختبار حقيقي تجاه إدارة ترامب الذي أكد في حملاته الانتخابية على مدى شهور، أن على الرياض أن تدفع بدلات مالية هائلة مقابل الحماية الأميركية لنظامها. فكيف إذا ترسخ الاستنتاج العسكري، لدى ترامب، الذي يفيد بأن مهزلة الإخفاق السعودي أمام الجيش اليمني هي المهزلة نفسها التي تلحق بفخر الصناعة العسكرية الأميركية على الحدود اليمنية ــ السعودية.